الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الاستقلال بين وحدة اللبنانيين والتدخلات العربية والأجنبية: وثائق تنشر للمرة الأولى

المصدر: "النهار"
Bookmark
الاستقلال بين وحدة اللبنانيين والتدخلات العربية والأجنبية: وثائق تنشر للمرة الأولى
الاستقلال بين وحدة اللبنانيين والتدخلات العربية والأجنبية: وثائق تنشر للمرة الأولى
A+ A-
1- مواقف اللبنانيين في سبيل وحدة واستقلال لبنانبعد انتخاب الرئيس بشارة الخوري رئيساً للجمهورية في 21 أيلول 1943، اختار الزعيم اللبناني الرئيس رياض الصلح رئيساً للوزراء. وفي 25 أيلول 1943 تم تشكيل الوزارة، التي تمثلت فيها كل الطوائف الدينية، أكثر مما تمثلت الاتجاهات السياسية. وذكر الرئيس بشارة الخوري أنه ارتؤي اختيار وزيرين من الكتلة الوطنية هما جورج زوين وجبرائيل المر، غير أن الرئيس اميل اده رفض إشراكهما في الحكم. وفي 7 تشرين الأول 1943 عقد المجلس النيابي جلسة ألقى فيها رياض الصلح بيانه الوزاري، وقد حرص كل من الوزير البريطاني المفوض سبيرز وقنصل مصر أحمد رمزي بك على حضور هذه الجلسة. وأشار الصلح في بيانه إلى أسلوب الحكم في المستقبل وضرورة تعديل الدستور وإلغاء الطائفية والقضاء على مساوئها لأنها تسمم روح العلاقات بين الجماعات الروحية التي يتألف منها الشعب اللبناني، كما ركز على علاقة لبنان بالبلدان العربية لاسيما الدول المجاورة. واعتبر أن إخواننا في الأقطار العربية لا يريدون للبنان إلا ما يريده أبناؤه الوطنيون، نحن لا نريده للاستعمار إليهم ممراً، فنحن وهم إذن نريده وطناً عزيزاً مستقلاً سيداً حراً. وكان لهذا البيان أثر كبير على فئات الشعب، لأنه أوجد طريقة نحو الاستقلال وتوحيد الصفوف، كما أنه اعتبر بمثابة اتفاق بين المسلمين والمسيحيين على عدد من المبادئ الأساسية. وبعد تلاوة البيان الوزاري ناقشه النواب، ومما قاله النائب كمال جنبلاط: إِن استقلال لبنان الحديث مهم جداً من الناحية الحقوقية والدولية، لأنها لأول مرة في تاريخه يعترف أهل لبنان الكبير بلبنان مسلميه ومسيحييه ودرزييه وشيعييه. ثم حيا وأيّد العهد الجديد لصبغته العربية "لأن العروبة وحدها كانت تكفل لهذه البلاد الوحدة القومية والاستقلال المصان". ثم تحدث بعد ذلك كل من النواب: كاظم الخليل وأديب الفرزلي وسواهما وانتهت الجلسة بإعطاء الحكومة الثقة.والحقيقة أن الحكومة اللبنانية عقدت عزمها منذ البدء على تقليص النفوذ الفرنسي بتعديل الدستور اللبناني، بما يضمن استقلال لبنان عن فرنسا، فسعى رياض الصلح أولاً إلى صبغ لبنان بالصبغة العربية فأصدر تعميماً وزع على مختلف الدوائر الرسمية طلب فيه استخدام اللغة العربية كلغة رسمية وحيدة للبلاد.معركة تعديل الدستوروفي 16 تشرين الأول 1943 أصدر رئيس الوزراء أوامره باستبدال الأوامر العسكرية من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، كما تألفت لجنة خاصة لوضع المصطلحات اللازمة لأفراد الدرك والشرطة باللغة العربية. وبالإضافة إلى ذلك قرر رئيس الوزراء فتح مدرسة ليلية لتعلم الموظفين الذين لا يتقنون العربية مبادئ هذه اللغة. وكانت أول نتيجة لاستخدام اللغة العربية في المعاملات الحكومية تعطيل عمل المستشارين الفرنسيين الذين لم يعد بوسعهم أن يشتركوا في الإشراف والمراقبة على سير إدارات الدولة، كما عارض "جان هللو" (J.Helleu) استخدام العربية مكان الفرنسية، لأن ذلك يعتبر مخالفاً لصك الانتداب، ومخالفاً لنصوص الدستور اللبناني، كما أن صك الانتداب لا يخول لبنان حق تعديل الدستور منفرداً.وتشير وثائق وزارة الخارجية الفرنسية السرية، الى أنه في 5 تشرين الثاني 1943 أذاعت "اللجنة الوطنية الفرنسية" بلاغاً عارضت فيه الحكومة اللبنانية عزمها على تعديل الدستور اللبناني. وتلقى الصحافيون اللبنانيون دعوة من مدير قلم المطبوعات الفرنسي للحضور إلى دائرة المطبوعات لإعلامهم بذاك البلاغ ونشره في صحفهم من دون مناقشته، سواء في الاجتماع معه أو على صفحات الصحف. كما أن المسؤول العسكري الفرنسي المسيو "دافيد" (David) سلم البلاغ عينه إلى رئيس الوزراء، الذي أنكر حق فرنسا في التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية. كما أن بعض الصحف اللبنانية أيضاً أشارت إلى حق لبنان بتعديل دستوره. غير أن مجلس الوزراء أصدر بلاغاً بعد ظهر 5 تشرين الثاني اعتبر فيه أن تعديل الدستور حق من حقوق السلطات الدستورية اللبنانية وفقاً لأحكام المادة (76) وما يليها من الدستور، ثم قدم مجلس الوزراء للمجلس النيابي مشروع تعديل الدستور في بعض مواده، التي، لو استمرت، تتعارض مع استقلال لبنان. ومن جهتهم فإن الفرنسيين حاولوا إقناع رياض الصلح بالعدول عن تنفيذ قرار تعديل الدستور. ولكنه رفض طلبهم، فما كان منهم إلا أن حاولوا إقناع (17) نائباً بالتغيب عن جلسة تعديل الدستور التي حُدّدت في 8 تشرين الثاني ،1943 وذلك لتعطيل نصاب الجلسة. كما أن المفوضية الفرنسية أظهرت من خلال هذه الممارسات أنها غير راغبة إطلاقاً في إنهاء انتدابها على لبنان. ورأى كاترو أن أقصى ما تسمح به المفوضية هو إبدال الانتداب بمعاهدة تستوحى من بنود اتفاق 1936. كما سعى بعض كبار الموظفين الفرنسيين في المفوضية الفرنسية مثال بار، دافيد، شاتينيو، إلى إقناع بعض النواب بعدم القبول بتعديل الدستور، وبممارسة الضغوط عليهم أحياناً.وفي 8 تشرين الثاني اجتمع 12 نائباً في مكتب الرئيس اميل اده، الذي اتصل بمدير الأمن العام "غوتيه" وأخبره "أن الجماعة حضروا"، فما كان من غوتيه إلا أن طلب منهم عدم حضور جلسة تعديل الدستور، لكن عدداً من النواب رفضوا طلبه وأصروا على حضور الجلسة وإقرار التعديل رغم التهديد الفرنسي لهم. والحقيقة أن المجلس النيابي كان في هذه الفترة ينقسم إلى ثلاث مجموعات: مجموعة تتصرف بوحي من وطنيتها اللبنانية، ومجموعة تتصرف بوحي من السياسة الفرنسية، ومجموعة ثالثة تصرفت بوحي من السياسة البريطانية. وقد صرح النائب أحمد الحسيني الموالي لاميل اده بالقول: "لا أريد أن أستبدل سيداً بسيد ودولة منتدبة عرفناها بدولة منتدبة (بريطانيا) نعرف عنها الشيء الكثير".وفي الثاني من تشرين الثاني 1943 عقد المجلس النيابي جلسته وتغيب عنها النواب: أيوب ثابت، وأحمد الحسيني ودركالوسيان. ولما عرضت الحكومة مشروع التعديل على المجلس طلب اميل اده وجورج عقل وأسعد البستاني وأمين السعد إحالة المشروع على لجنة برلمانية لدرسه وتأجيل التصويت عليه ريثما تنهي اللجنة مهمتها. ولكن الأكثرية النيابية رفضت الاقتراح وصدق (48) عضواً على مشروع التعديل مادة مادة، فانسحب اميل اده وأمين السعد احتجاجاً، أما بقية المعارضين فرفضوا التصويت. وتناول التعديل المواد: (1) و(11) و(52) و(90) و(91) و(92) و(93) و(94) و(95) و(102) وقضت التعديلات بإلغاء المواد والفقرات المتعلقة بالانتداب والدولة المنتدبة، كما أنها جعلت اللغة العربية لغة رسمية وحيدة في لبنان. وعلى الفور وقع رئيس الجمهورية على مشروع التعديل، ونشر في اليوم الثاني في الجريدة الرسمية، ليصبح نافذ المفعول. وإزاء هذا التعديل ساءت العلاقات بين المفوضية الفرنسية والحكومة اللبنانية، وكان من المتوقع أن تقوم السلطات الفرنسية باعتقال رئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة مساء اليوم عينه، غير أن وصول ملك يوغوسلافيا بطرس الثاني إلى بيروت حال دون إتمام ذلك لانشغال الفرنسيين باستقباله. وفي اليوم التالي وصل هللو إلى بيروت، وبالرغم من أنه وعد السفير البريطاني سبيرز بأنه لن يقدم على أي عمل، فإذا به صدر في اليوم عينه قراراً ثانياً يحمل الرقم (F.C/) عين بموجبه اميل اده رئيساً للجمهورية وللحكومة.اعتقال الاستقلاليينوفي ليل 10-11 تشرين الثاني بدأت السلطات الفرنسية عملية اعتقال رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ثم الوزراء: سليم تقلا، كميل شمعون، عادل عسيران، والنائب عبد الحميد كرامي ونقلوا جميعاً إلى قلعة راشيا. وذكر سبيرز وزوجته تفصيلات عن هذه الحادثة، فعندما اعتقل الفرنسيون بشارة الخوري اعتقلوا معه نجله ووضعوه في السرداب وأخذوا يوجهون إليه إهانات كقولهم: "ابن الكلب، ابن الإنكليزي"، وأكد بشارة الخوري نفسه هذه الحادثة. ولما حاول الرئيس اميل اده تشكيل حكومة لمساعدته في إدارة البلاد رفض كل السياسيين مشاركته الحكم، ولما حاول إشراك بعض المديرين العامين أعلنوا أيضاً رفضهم الاشتراك في الحكم وأصدروا بيانات بهذا الخصوص. بينما كان اميل اده لا يستطيع في هذه الفترة الخروج إلى الشوارع إلا بحماية الدبابات والسيارات العسكرية. ولذا...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم