الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل تتحرّك روسيا اليوم في ضوء خلاصاتٍ من الحرب العالميّة الأولى؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

عودة الاهتمام؟

سفر #بوتين إلى فرنسا لا يعني وجود حماسة داخليّة للاحتفال بهذه الذكرى. ففي تلك الحرب، وصل البلاشفة إلى الحكم خلال ثورة تشرين الأوّل 1917 ودخلت روسيا في اقتتال داخليّ لبضع سنوات. لذلك، لم تولِ السلطات الروسيّة خلال السنة الماضية اهتماماً بارزاً بالذكرى المئويّة الأولى لانتصار تلك الثورة. وبصرف النظر عن تداعيات انتصار البلاشفة، تعرّضت موسكو لأقصى الآثار المدّمرة للحرب العالميّة الأولى مقارنة مع الخسائر التي لحقت بدول أخرى. فقد خسرت البلاد أكثر من 76% من قوّاتها في مقابل 73.3% لفرنسا التي دارت معظم رحى الحرب على أراضيها. أمّا الولايات المتّحدة فلم تخسر سوى 7%، علماً أنّ دخولها الحرب جاء متأخّراً نسبيّاً.

حضر زعماء بارزون الاحتفالات الفرنسيّة مدفوعين بأسباب شتّى. بالنسبة إلى بوتين، سيبقى هاجس استعادة بلاده موقعاً مساوياً للموقع الأميركيّ على الساحة الدوليّة، دافعاً بارزاً لتحرّكاته الديبلوماسيّة والعسكريّة على المسرح العالميّ. لكن لا يزال هذا الهاجس عامّاً غير مرتبط بحقبة الحرب الأولى، بل ربّما يتعلّق أكثر بمخرجات الحرب العالميّة الثانية التي أعلنت انتصار موسكو إلى جانب واشنطن. لذلك، إنّ ملامح العصر الجديد لتفوّق موسكو بدأت بالظهور في مؤتمري يالطا وبوتسدام في الأشهر الأخيرة من الحرب العالميّة الثانية أكثر ممّا ظهرت مثلاً في معاهدة برست-ليتوفسك وفرساي. لكن على الرغم من أنّ "ثمار" الحرب العالميّة الثانية خدمت الروس أفضل ممّا فعلته الحرب الأولى، لا تزال الأخيرة قادرة على تقديم دروس سخيّة لموسكو. ولهذا السبب ربّما، أمكن ملاحظة أنّ هنالك ميلاً داخل روسيا لإعادة تسليط الضوء على تلك الحقبة التي بدت مجهولة بالنسبة إلى الروس على مدى فترة طويلة.


"نريد إثبات أنّنا فزنا بها"

يوم الأربعاء الماضي، عقد منتدى "فالداي" الروسيّ محاضرة تحت عنوان: "الحرب العالميّة الأولى: هل التاريخ يعيد نفسه؟". يشرح المنتدى أنّ الغرب تناقل ذكريات الحرب من جيل لآخر بينما وصفها السوفيات بأنّها "إمبرياليّة" فيما هي "غير معروفة" في #روسيا المعاصرة. لكن هنالك حاليّاً محاولة روسيّة لتغيير ذلك الوضع. وهذا ما أكّده البروفسور في الجامعة الأوروبية في سانت بطرسبورغ أليكسي ميلر الذي استدرك بأنّ هذا التغيّر ليس بالضرورة نحو الأفضل. وشرح أنّ استذكار تلك الحرب يتّخذ شكل "تاريخ شعبيّ" وأنّ فهمه لا يزال متروكاً للمستقبل. خلال المحاضرة، كانت لافتة كلمة بيار مالينوفسكي، رئيس المؤسّسة الروسيّة-الفرنسيّة للمبادرات التاريخيّة، حين قال: "العالم لا ينسى الماضي ويجب ألّا ينساه. يجب ألّا ننسى من بدأ الحرب العالميّة، ونريد إثبات أنّنا فزنا بها".

كلمة مالوفينسكي لا تؤكّد فقط هاجس الروس في الإثبات الدائم لمحوريّة دورهم في الحربين العالميّتين وانعكاسات ذلك على موقعهم في النظامين الدوليّين اللذين أنتجتهما أو في أيّ نظام ينتج عن ظروف أخرى كما هو الحال مع انهيار الاتّحاد السوفياتيّ. فهو ذكّر الحضور بأنّ روسيا ضحّت كثيراً لمساعدة فرنسا، أكثر من أيّ طرف آخر في النزاع. وفي ذلك رسالة إلى الفرنسيّين ومن خلالهم إلى الأوروبّيّين بأنّه يجدر بهم التطلّع إلى جارتهم الأقرب على حدودهم الشرقيّة بدلاً من التطلّع دوماً إلى شريكهم في ما وراء الأطلسيّ، أي الولايات المتّحدة. مع مجيء دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركيّة، برز خوف أوروبّيّ دائم من انهيار نظام ما بعد الحرب العالميّة الثانية الذي بنته واشنطن نفسها. تحاول روسيا تعزيز هذا الهاجس من أجل خلق شرخ بين بروكسيل وواشنطن طارحة نفسها كبديل عن الأخيرة أو كخيار مساوٍ للأخيرة. ولعلّ أبرز مثل على ذلك، كان مسارعة الروس إلى التساؤل عمّا إذا كان الأوروبّيّون مستعدّين لاعتماد سياسة حازمة للدفاع عن الاتّفاق النوويّ الإيرانيّ مع ما يستدعيه ذلك من إمكانيّة بذل تضحيات بالابتعاد أكثر عن واشنطن.


ما تعلّمته موسكو حول التحالفات

إلى الآن، يواصل الأوروبّيّون رهانهم على الشراكة الاستراتيجيّة مع الأميركيّين، من دون استبعاد خيارات جديدة تناسب الواقع المستجدّ. ويمكن للمراقبين أن يستشفّوا وجود تركيز لدى باحثين ومسؤولين أميركيّين خدموا في إدارات سابقة على أهمّيّة العلاقات الأميركيّة الأوروبّيّة.

خلال التحالف بين فرنسا وروسيا القيصريّة في الحرب العالميّة الأولى تحوّل إلى تحالف بين فرنسا والولايات المتّحدة خلال الحرب العالميّة الثانية. واليوم، قد يكون الروس يحاولون تغيير أو تعديل خريطة التحالفات هذه. وبالحديث عن التحالفات، يذكر الباحث في الشؤون الروسيّة نيكولاس غفوسديف أنّ من بين الدروس التي تعلّمتها #روسيا من تلك الحرب، عدم إعطاء "شيكات على بياض" للحلفاء، كما حصل منذ قرن حين تحالفت روسيا مع صربيا والأهمّ من ذلك بحسب الكاتب، التحالف الذي عقدته مع #فرنسا والذي قيّد حرّيّة مناورتها. ويضيف غفودسيف أنّه بالمقابل، "تدعم موسكو اليوم زبائنها (في الشرق الأوسط) لكنّها تفرض حدوداً واضحة جدّاً على مدى الدعم الروسيّ".


قد يكون المثل الأخير واضحاً من خلال ما يجري في سوريا حيث تمتنع حاليّاً #موسكو عن دعم #دمشق لتخوض هجوماً عسكريّاً ضدّ إدلب بالرغم من إصرارها على ذلك، إضافة إلى أنّ الروس يميلون لإدخال الغربيّين في المفاوضات السياسيّة حول سوريا أكثر ممّا يفعلون مع إيران. ويمكن أن تكون قمّة اسطنبول الأخيرة أحد مؤشّرات ذلك.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم