الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

جنازة نزار قباني في لندن: "الكذبة الكبرى" مستمرة بعد 20 عامًا

المصدر: النهار
هالة حمصي
هالة حمصي
جنازة نزار قباني في لندن: "الكذبة الكبرى" مستمرة بعد 20 عامًا
جنازة نزار قباني في لندن: "الكذبة الكبرى" مستمرة بعد 20 عامًا
A+ A-

البداية من بوست لا يتجاوز السطرين في احدى الصفحات في "الفايسبوك". "عندما توفي نزار قباني في لندن، رفض إمام جامع لندن الصلاة عليه بحجة كونه شاعر الفسق والمجون. وكان هذا رأي الأغلبية من ائمة الجوامع. لكن هذه كانت حجة تخفي وراءها السبب الحقيقي. إذا سمعت هذه القصيدة، فستعرف السبب".


بوست نُشِر قبل عام. لكنه لا يزال يتفاعل حتى اليوم، بتعليقات أُضيفَت إليه قبل ساعات قليلة فقط، ليصبح مجموعها العام حتى الساعة 891، إضافة الى الـ307 آلاف مشاهدة لفيديو "القصيدة" المرفق بالبوست، و6,300 مشاركة له، و10 آلاف "لايك". بوست يجول ويصول في "الفايسبوك"، ويحصد اهتماما واسعا.   

ولكن ما حقيقة القصة؟ هل إمام جامع لندن رفض بالفعل الصلاة على قباني "بحجة كونه شاعر الفسق والمجون"؟ ما اسمه؟ وهل كان هذا رأي الأغلبية من ائمة الجوامع، وفقا لما يُذكَر؟ القصة Fake News أم لا؟ ومن أين مصدرها؟  


عودة الى عام 1998، وتحديدا الى 30 نيسان، يوم جنازة الشاعر الكبير في لندن. في استرجاع وقائع ذلك اليوم، نعم، حصل اشكال في الجنازة، وفقا لما تتقاطع حوله الروايات، ويقف وراءه رجال متشددون "متزمتون ملتحون"، او "مشاغبون" على ما وُصِفوا به.   


صديقان يشهدان 

المكان: المركز الثقافي الاسلامي في لندن، ويعرف ايضا بمسجد لندن المركزي، او مسجد ريجنت بارك. وهو عبارة عن مجموعة من المباني ذات الطابع الإسلامي، حيث يوجد ايضا مسجد كبير. ويروي احد الاصدقاء المقربين للشاعر قباني، والذي كان بين المشيعين في ذلك اليوم لـ"النهار": "عندما وصل جثمان الشاعر الكبير الى المسجد، رفضت مجموعة من الرجال المتزمتين الملتحين إدخاله الى المسجد. واخذوا يشتمون، وكان كلامهم عنيفا، الامر الذي اثار استياء شخصيات كبيرة جاءت الى الجنازة، واصدقاء الفقيد واهله. وتدخل عديدون، في طليعتهم السفير السعودي في بريطانيا يومذاك الدكتور غازي القصيبي، وكان صديقا للراحل. وتمّ التوصل الى حلّ وسط، منعا لتفاقم الامر، ويقضي بالصلاة على الجثمان عند باب المسجد داخل حرمه، بينما وقف الناس حوله امتدادا الى باحة المسجد".


لكن هل رفض إمام الجامع الصلاة على الجثمان، وفقا لما يزعمه البوست؟ يجيب: "اذا عبّر احد أئمة الجامع عن رفضه، فلم يكن ذلك امامنا. لم نسمع ذلك. ولا اعتقد ان الإمام قد يقول ما زُعِم انه قال. كذلك، لا اعتقد انه يحق له أن يقول ذلك، علما ان المركز الثقافي الاسلامي في لندن تدعمه السعودية. وكان السفير السعودي في طليعة المشيعين يومذاك".   

 تأكيد جديد من صديق آخر للشاعر. اليقين لدى رئيس تحرير مجلة "الجديد" الثقافية اللندنية الشاعر نوري الجراح ان "الرفض لم يصدر عن اي إمام من أئمة المسجد"، بل عن "مجموعة من المتشددين وقفوا عند باب المسجد ورفضوا ادخال الجثمان. وهؤلاء كانت لديهم يومذاك سلطة على جزء من المسجد".   

ويفيد بان "العديد من العقلاء تدخلوا على الفور. واجرى السفير القصيبي، وكان صديقا للشاعر الراحل ومن محبي شعره، اتصالات، بينها بمدير المركز الثقافي الاسلامي يومذاك، ليبلغه بان ما يحصل ليس مقبولا اطلاقا. وعلى الاثر، عمل المدير على ابعاد المتشددين. وأُدخل الجثمان الى المسجد، وتمت الصلاة عليه".


هدباء و"سابقة نزار "

واقعة الرجال المتشددين مؤكَّدة أيضا، على لسان هدباء قباني، ابنة الشاعر الراحلة. وتروي في مقابلة اجراها معها حسام الدين محمد، بعد اعوام عدة على وفاة الشاعر، وقبل وفاتها هي ايضا (2009)، ونشرتها أخيرا مجلة "الجديد" اللندنية في عدد خاص عن الشاعر قباني (ايار 2018)،‭ ‬أنه "كان هناك‭ ‬أناس‭ ‬مشاغبون‭ ‬حاولوا‭ ‬منع‭ ‬الصلاة‭ ‬على‭ ‬أبي". ويكتب محمد: "حينما‭ ‬كان‭ ‬جثمان‭ ‬نزار‭ ‬في‭ ‬الجامع‭ ‬للصلاة‭ ‬عليه،‭ ‬تطوّعت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المتعصبين‭ ‬للصراخ‭ ‬ومحاولة‭ ‬تأليب‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الشاعر،‭ ‬باعتباره‭ ‬زنديقا،‭ ‬إلخ".‭


ويلفت الى واقعة أخرى. "‬هدباء‭ ‬وأقارب‭ ‬نزار‭ ‬الآخرون‭ ‬وقفوا‭ ‬في‭ ‬باحة‭ ‬الجامع،‭ ‬حيث‭ ‬تلقوا‭ ‬العزاء‭ ‬من‭ ‬الناس.‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬سابقة‭ ‬لجأ‭ ‬إليها‭ ‬أهل‭ ‬متوفاة‭ ‬بعد‭ ‬شهر،‭ ‬حيث‭ ‬طلبوا‭ ‬أن‭ ‬يقوموا‭ ‬بالشيء‭ ‬نفسه،‭ ‬وأشاروا‭ ‬إلى‭ ‬سابقة‭ ‬نزار. ‬فكان‭ ‬نزار‭ ‬يتابع‭ ‬تغيير‭ ‬قواعد‭ ‬الناس‭ ‬المتهالكة‭ ‬والمتخلفة،‭ ‬ويقدّم‭ ‬لهم‭ ‬قواعد‭ ‬جديدة‭ ‬إنسانية‭ ‬وجميلة‭."‬  

و‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة، ‬قالت ايضا هدباء: "حينما‭ ‬ذهبنا‭ ‬للصلاة‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬أبي،‭ ‬اعتبرنا‭ ‬الأمر‭ ‬مفروغا‭ ‬منه؛‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬الرجال‭ ‬إلى‭ ‬الجامع‭ ‬ليصلوا‭ ‬عليه،‭ ‬وأن‭ ‬نقف‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬الباحة‭ ‬ونتقبّل‭ ‬التعازي‭ ‬به. حاول‭ ‬البعض‭ ‬منعنا‭ ‬بدعوى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أناسا‭ ‬مشاغبين‭ ‬حاولوا‭ ‬منع‭ ‬الصلاة‭ ‬على‭ ‬أبي. ‬وهذه‭ ‬شكّلت‭ ‬سابقة،‭ ‬لأنه‭ ‬بعدما ‬استاء‭ ‬الناس،‭ ‬حملنا‭ ‬الشكوى‭ ‬الى مدير‭ ‬الجامع‭. ‬قال‭ ‬إن‭ ‬هؤلاء‭ ‬يأتون‭ ‬دائما،‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬شغبهم‭ ‬جعلهم‭ ‬يستمرون‭ ‬في‭ ‬فعل‭ ‬ما‭ ‬يريدون،‭ ‬وصارت‭ ‬لديهم‭ ‬سلطة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ميت‭ ‬ويكفّرون‭ ‬من‭ ‬يكفّرون،‭ ‬وحصلت‭ ‬حوادث‭ ‬قبل‭ ‬والدي.‭ ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬كُتب‭ ‬عن‭ ‬حادثة‭ ‬أبي،‭ ‬حصل‭ ‬نقاش‭ ‬وانتبه‭ ‬الناس‭ ‬الى الأمر،‭ ‬وبعدها‭ ‬توفيت‭ ‬سيدة‭ ‬معروفة،‭ ‬فطالب‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬عائلتها‭ ‬للتعزية‭ ‬بها‭ ‬أسوة‭ ‬بما‭ ‬حصل‭ ‬مع‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭. ‬لقد‭ ‬شجّع‭ ‬نزار،‭ ‬بحادثة‭ ‬موته‭ ‬هذه،‭ ‬امرأة‭ ‬مريضة‭ ‬أن‭ ‬تطلق‭ ‬حق‭ ‬التعزية‭ ‬بها.‭ ‬فقد‭ ‬أوصت‭ ‬بأن‭ ‬يقوم‭ ‬النساء‭ ‬والرجال‭ ‬بقبول‭ ‬التعازي‭ ‬بها‭. ‬إذن‭ ‬كان‭ ‬نزار‭ ‬دائما‭ ‬يبدأ‭ ‬الأشياء،‭ ‬وحادثة‭ ‬موته‭ ‬أيضا‭ ‬انتهت‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬الصادمة"‭.‬

مدير المركز يكذّب الخبر

"مشاغبون"... و"نزار قباني شاعر لا تشمله رحمة الله، فلا يستحق أن يُصلَّى على جنازته"، وفقا لما تم تناقله عن احد هؤلاء. بالنسبة الى مسؤولي المركز، الأمر محسوم. ما يُزعَم ان إمام المسجد رفض الصلاة على جثمان الشاعر الكبير، وأخرجه من المسجد من دون أن يُصلَّى عليه، وفقا لما يُذكر في البوست، "كذبة كبرى"، بتعبير المدير العام للمركز الاسلامي في لندن يومذاك الدكتور حمد الماجد.

هذا الزعم انتشر يومذاك، ولا يزال قيد التداول حتى اليوم، بعد 20 عاما على غياب الشاعر الكبير. وقائع تلك الساعة يرويها الماجد في مقالة نشرتها جريدة "الشرق الاوسط" الاثنين 9 حزيران 2008، بعد نحو 10 سنوات على وفاة الشاعر قباني، وحملت عنوان: "جنازة نزار قباني تطاردني".

 ويحمّل فيها مسؤولية "إثم هذه الكذبة الكبرى" "صحافيا نشر تقريره في الصفحة الأولى، فشرق الخبر وغرب"، يومذاك. ومما ذكر في الخبر ان "عددا من المتشددين لم ينقصهم إلا البلطات والسكاكين، قد أحدثوا هرجا ومرجا واعترضوا على الصلاة على جنازة قباني، وكادوا ان يقذفوا بها خارج المركز الإسلامي"، وان "مدير المركز فاوض هؤلاء المتشددين، وخرج معهم بحل وسطي يقضي بأن يصلى على روح قباني، ولا يصلى على جسده".  


هذا الكلام المزعوم في الخبر يكذّبه الماجد، جملة وتفصيلا. ويؤكد: "والله يشهد وخمسة آلاف مصل، ومعهم عشرات من السفراء والديبلوماسيين العرب، يتقدمهم السفير المتيم بنزار قباني الدكتور غازي القصيبي، سفير السعودية في لندن آنذاك، بأنه لم يحدث هرج ولا مرج، وأن الجنازة صلّى عليها المسلمون، وأنني لم أفاوض في هذا الشأن، لا متشددا ولا متفلتا".  


ويتذكر جيدا أن "الجنازة أُحضرت في ضحى يوم الجمعة، ووضعت في الجانب الأيمن من المسجد، وادعة ساكنة هادئة هدوء الليل البهيم في عمق الصحراء، حتى صلى عليها المسلمون. وكانت الأمور ستجري طبيعية 100% لولا أن شابا قام في الناس، متحدثا بعد الفراغ من صلاة الجمعة وقبل صلاة الجنازة. وقال بلغة هادئة بأن هذه الجنازة للشاعر قباني الذي يُنسَب إليه في شعره سخرية بالدين وشعائره، ولهذا لا يجوز أن يصلى عليه، فاعترضه مصلون آخرون. فتدخل الإمام بسرعة، وهو في محرابه، وفض النقاش بحكمة لافتة. وقال: إننا سنصلي على الجنازة. فمن أحب أن يصلي معنا، فأهلا به. ومن لا يرغب في الصلاة عليه، فلينصرف مشكورا. فصلت عليه الأغلبية الساحقة".  

الصلاة على جثمان الشاعر الراحل تمت اذًا في المسجد، ولم يرفض الإمام الصلاة عليه، بتأكيد مدير المركز نفسه، بخلاف البوست المنشور في "الفايسبوك". يومذاك، كتب الماجد "توضيحا لهذا اللبس نشر في تعليقات القراء. فكان هذا التوضيح المنزوي عن الأنظار أمام خبر نُشِر في صدر الصفحة الأولى كمن يريد أن يحجب أشعة الشمس عن الناس بيده. وهكذا علق الخبر في أذهان الناس"، على قوله. ولا يزال عالقا فيها حتى اليوم. "النهار" حاولت الاتصال بالدكتور الماجد، لمزيد من الاستيضاح. لكنها لم تتلق منه اي جواب.

من دون اي مصدر!

مزيد من البحث. موقع الكتروني محدّد، "مفكر حر"، وراء الجملة عينها المنشورة في البوست والقصيدة المرفقة به للشاعر الكبير. في التعريف، انه "موقع علماني لتشجيع الكتاب". تاريخ النشر في 12 ايار 2017، وقد عنون الخبر: "شاهد القصيدة التي منعت أئمة لندن الصلاة على جثمان نزار قباني: من ربع قرن"... من دون ان يشير الى المصدر الذي استند اليه في تلك المزاعم.

[email protected]



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم