الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

عندما دفعت المرأة ثمن القفزة الفكرية للبشر من حياتها

المصدر: "النهار"
منى فياض
عندما دفعت المرأة ثمن القفزة الفكرية للبشر من حياتها
عندما دفعت المرأة ثمن القفزة الفكرية للبشر من حياتها
A+ A-

كتاب "سابيانس، قصة موجزة عن تاريخ البشرية"، لعالم المستقبليات يوفال هراري، الذي صدر العام 2011 بالعبرية، وترجم العام 2012 إلى الإنكليزية، وفي العام 2015 إلى الفرنسية، كما إلى معظم لغات العالم. وصدرت النسخة العربية، التي منعت بعد أن بيعت في الأسواق، في العام 2017. فهو "إسرائيلي"، وبالطبع نحن الآن بعكس ما كانه أجدادنا الذين "يطلبون العلم ولو في الصين".

عمَّ يتحدث هذا الكتاب، الذي تحول "بست سيللر". وكان السيد أوباما ينصح بقراءته ويضعه قرب وسادته؟

يسرد الكتاب تاريخ الإنسان منذ بداياته الأولى وحتى عصرنا الراهن، مع نظرة عميقة وشاملة نحو المستقبل.

لكني سأهتم هنا بما يتعلق بتطور الفكر عند الإنسان وانعكاس ذلك على المرأة.

 تتشارك جميع أصناف الحيوانات، لأن هراري يحب أن يذكّر بما أنكره البشر طويلاً من أنهم أخوة الحيوانات، ويشاركونهم ميزاتهم البارزة، على الرغم من العديد من الاختلافات بينهم؛ لكن أبرز ما يختلفون فيه عنهم، هو حجم الدماغ العظيم لدى الهوموسابينس مقارنة بباقي الحيوانات.

لكن الدماغ العملاق هذا مرهق للجسم وليس من السهل حمله، خصوصاً انه متمركز في جمجمة كثيفة، إضافة إلى أنه من الأصعب تغذيته أيضاً.

يمثل الدماغ عند الهوموسابينس من 2 إلى 3% من وزن الجسم الكلي، لكنه يستهلك 25% من طاقة الجسم، عندما يكون هذا الاخير في حالة راحة، مقابل 8% فقط لدماغ القرود الأخرى. ولقد دفع البشر القدماء ثمن دماغهم الضخم بطريقتين:

الأولى أنهم أمضوا وقتاً أطول في البحث عما يغذيه. والثانية ضمور عضلاتهم نتيجة لنموّه؛ لأن أجسامهم قامت بما تفعله الحكومات عندما تحيل الأموال من ميزانية الدفاع إلى التربية. حوّل البشر الطاقة من العضلات نحو النيرونات.

لكن ليس من اليسير اعتبار أن هذه هي الطريقة المثلى للنجاة في السهوب. واذا كان الشمبانزي لا ينتصر في النقاش مع الهوموسابينس، إلا أن بإمكانه أن يمزقه إرباً. دامت تلك الحقبة مليوني عام. .. إلى أن أعطت أدمغتنا نتائج جيدة، لأننا أنتجنا سيارات وبنادق، تسمح بالذهاب أسرع من الشمبانزي، وتقضي عليهم عن بعد بدلاً من معاركتهم.

الميزة الإنسانية الثانية الفريدة، هي أننا نمشي منتصبين على ساقين. سهّل هذا الأمر مراقبة السهوب وقوفاً، ومراقبة الطرائد أو العدو. وبينما أصبحت الأيدي غير ذات فائدة للحمل، تحررت لغايات أخرى مثل رمي الحجارة أو بعث الإشارات مثلاً. ترجم الضغط التطوري بتمركز متزايد للأعصاب والعضلات بدقة كبيرة في الأكفّ والأصابع. من هنا، يمكن للبشر أن ينجزوا بأيديهم مهام شديدة التعقيد.

لكن للمشي بانتصاب وجهه الآخر. تطور هيكل أجدادنا القرود خلال ملايين السنين لحمل مخلوق يمشي على أربع، ولديه رأس صغير نسبياً. لكن ضبط وضعية الوقوف كان تحدياً رهيباً خصوصاً أن على السقالة أن تحمل جمجمة عريضة جداً. دفع الصنف البشري ثمن ارتفاع بصره ويديه الصانعتين أوجاع رأس وتصلب رقبة.

لكن، كما العادة، بالنسبة إلى النساء، كان هناك ثمن إضافي. فوضعية الوقوف تتطلب أردافاً أضيق، تشد على قناة الرحم، وهذا في نفس اللحظة التي أصبح فيها حجم رؤوس المواليد أضخم (حجم رأس الطفل يشكل حوالى ربع الوزن عند الولادة). لذا صار خطر الموت أثناء الولادة عظيماً للإناث من البشر. ولا شك أن الكثير منهن قضين أثناءها ولا زلن في البلدان الفقيرة؛ أما تلك التي أنجبت قبل أوان ولادتها، أي عندما يكون حجم رأس الوليد أصغر نسبياً وأكثر مرونة، كانت نجاتها أكبر، ويمكن أن تحظى بعدد أطفال أكبر.

وبنتيجة الانتقاء الطبيعي، شجّعت الولادات المبكرة. لذا مقارنة بالحيوانات الأخرى، يولد البشر قبل أوانهم، بينما عدد من أنظمتهم الحيوية لا تزال غير نامية. المُهر يمشي إلى جانب أمه مباشرة بعد ولادته، وكذلك القط يكتشف العالم مع أمه بعد أسابيع قليلة. لكن وليد الإنسان يولد عاجزاً، تابعاً خلال سنوات للبالغين من حوله، ليؤمنوا له الغذاء والحماية والتربية.

وهنا أيضاً دفعت المرأة ثمن استمرار البشرية بالتصاقها بالطفل لإرضاعه وحمايته ورعايته كي يتمكن من البقاء. ما منعها من القيام بالأعمال الأخرى "المجيدة" للذكور، المتنوعة والتي تؤمن الغذاء والدفاع ضد المخاطر والبطولات ...

الآن تتغير الأدوار. وهراري يخبرنا ان الهوموسابينس سينتهي، وينتهي معه التاريخ الذي نعيش. لأن التاريخ هو فترة نمو الثقافات. وسيحل محله هومو آخر، ربما يصبح هوموالكترونيك..أو... كما يتصور بأن الانسان سيقضي على الموت، وأن تطور الإنسانية سيؤدي إلى وجود هوة عظيمة، لا رجعة عنها، بين من يستخدم ما نسميه الذكاء الاصطناعي، وما ينتج عنه من تطور متنوع، بما فيها أسلحة دقيقة تقتل بالموجات الصوتية، وبين من لا يزالون يتحاربون بالهراوات والخناجر والبنادق على شاكلة مجتمعاتنا.

وإذا جمعنا بين ما يؤشر اليه هراري وما حذر منه هاوكينغ، سنتخيل أن الكرة الملوثة والذاهبة نحو ازدياد درجات الحرارة لتبلغ 250 درجة بعد مئة عام؛ سنتخيل أن من سينجو من البشر هم من سوف يملكون مليارات الدولارات التي تسمح لهم بدفع تذاكر سفر إلى كواكب أخرى ومستوطنات بعيدة في المجرة تعد لاستقبالهم (منذ الآن على ما يبدو). كما سيتم تطوير أجسام البشر لتصبح عضوية – إلكترونية مع قطع غيار فائقة القدرة لتطوير بعض المهارات ليصبحوا بشراً - روبوتات لا يقهرون... تاركين لمن تبقى من البشر"العضويين" (الذين سيسمّون "متوحّشين") أن يتقاتلوا إلى أن تحترق بهم الكرة.



لا أدري حينها، هل سيعود من حاجة إلى وجود جنسين مختلفين وتقسيم للعمل وتحيز للغة واستخدام التاء المربوطة وهي وهو أم ماذا؟

وخارج هذا السيناريو الذي سيبدو خيالياً ومستبعداً لكثيرين، لأن التغيرات في الواقع صارت تسبق خيال الكثير من البشر؛ سيستمر معظم من يحكمنا في لبنان بحرمان النساء من الجنسية لأولادهن ومن الكوتا (طالما أن الحزب الإلهي لا نساء لديه للمناصب السياسية)، كما سيكملون سيرة الفساد/ مقابل بيع السيادة مع تكديس الأموال. فربما سيكونون من الناجين بسببها يوماً ما!

وإلا ما الذي يفسر إغراقنا بالنفايات وتسميمنا، ما دامت الحياة نفسها مهددة على الكرة الأرضية؟

وحتى ذلك الحين، تُستضعَف المرأة كما استُضعِف زياد عيتاني، كما يُستضعَف كل من له صلة بالفن أو الثقافة أو الفكر..

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم