الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

مناضل أقنعته وجوهٌ بائسة بعدالة القضية وإنسانيتها

عبد الجليل ولد حموية- المغرب
مناضل أقنعته وجوهٌ بائسة بعدالة القضية وإنسانيتها
مناضل أقنعته وجوهٌ بائسة بعدالة القضية وإنسانيتها
A+ A-

نفض آثار النوم عن وجهه، ملأ رئتيه بنسيم الصباح، تلقف خبزا يابسا وشاياً أسود، صفّف شعره المجعّد بقليل من الماء والصابون (صابون الحجرة)، فتح صندوقا خشبياً يتّخذه صندوق توفير يكتنز فيه حبات عرق حوّلت نقودا، وضع ورقة في جيبه نظمت فيها بعض الأشعار الحماسية والجمل الرنانة.

ارتدى معطفه الأسود الشاحب، انتعل حذاءه الرياضي الذي حوّلته الأوساخ والأيام إلى شبه "قبقاب" خشبي مشوّه، سروال جينز يبدو كَكيس سكر (خنشة شْمرتل). استوقفته أمه عند الباب، استعطفته أن يترك لها نقودا تعيد بها شحن مؤونة المطبخ. رفض طلبها، تركها معلقة بين حيرة وعَينين مغرورقتين بِدموع الحيرة والأسف. تحسس النقود في جيبه وهمس لنفسه: "لدي موعد مع التاريخ".

في الطريق إلى المحطة، متسوّلون، مشرّدون، فقراء مَنثورون على الهوامش، احياء موتى، ماسحو الأحذية، فراشات تُدمر حياتها باللهث وراء دراهم معدودة، بائعو المناديل الورقية (كلينيكس)، أيدي تخرج من كل فراغ تترجّاه درهما فقط، يتفاداها بكل حنكة، يتصنّع العمى والصمّ، يحافظ على المبلغ في جيبه حتى يتمكن من بلوغ هدف استيقظ من أجله باكرا.

في المحطة حصل على تذكرة حافلة متّجهة نحو مدينة #الرباط، قبل وضع مؤخرته فوق الكرسي، خرجت أيادٍ أخرى تحاول الحصول على درهم، أشخاص تقطّعت بهم السبل، نساء في عمر أمّه يحترقن، يحاولن التجرّد من كرامتهن. شيخ عايش كل أنواع البؤس والفقر والضياع على مرّ عقود، مريض يبحث عن ثمن دواء أو كسرة خبز يجبر بها الضرر، منبوذ يتحاشاه الجميع ينقب بين الوجوه عمن يكرّم مثواه بسيجارة تدفئ صدراً تجمّد بصقيع الليل. أخد صديقنا سيجارة من علبته، دخّنها على عجل، أمام أنظار اللوحة التشكيلية البائسة، لا بد أن يحتفظ بِسجائره لنفسه، اليوم طويل.




محطة القامرة بالرباط، تكرر المشهد مرة أخرى، راوغ الجميع كجناح طائر في فريق #كرة_قدم عالمي، ("الله يسهل، الله يجيب، الله يعفو، الصباح هذا، صباطي مسيري، مخصنيش كلينيكس…")، جُمل كرّرها كالدعاء في الصلاة ليوفّر النقود. على مقربة من ساحة البرلمان، أرسل مبلغا مهماً عبر المصرف تضامنا مع القضية، اقتنى كوفية فلسطينية بثلاثين درهما، وعَلماً متوسّطاً بعشرة دراهم، وبعض اللوازم النضالية الأخرى… 

دخل وسط الجمهور وكلّه ايمان بعمله الإنساني العظيم، فَلا والدته ولا الأيادي المتشرّدة ولا المُقتاتين على الفتات، ولا مرتادي حاويات القمامة، وكل تلك الوجوه البائسة التي تكرّر مرورها أمام عينيه أقنعوه بعدالة قضيتهم وإنسانيتها. صوت داخلي يتحاشى صداه يؤنّبه، ينهره، يأمره بإعادة ترتيب القضايا، لكنه وجد نفسه في خضمّ الحشود، فأطلق العنان لصوته المبحوح مُرددا الشعارات القومية:
"خيبر خيبر يا يهود جيش العرب سيعود…".


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم