الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كلكامش يغني لسليمة مراد

علي السباعي
كلكامش يغني لسليمة مراد
كلكامش يغني لسليمة مراد
A+ A-

حلت الظلمة شعرها الناعم الفاحم الطويل فوق أكتاف بغداد البيض، كلكامش ببذلته الأنيقة يسير على رصيف شارع أبي نواس مستمتعاً بهواء دجلة العذب يدندن أغنية سليمة باشا مراد التي لحنها الفنان الراحل صالح الكويتي: " على شواطي دجلة مر..."، أنعطف يساراً صوب الكرادة التي يحب ويسكن، الكرادة فتاة بغدادية حلوة مغناج بضفائر سود وبعينين تشبهان عيون المها.  

وصل مترنماً بأغنية الراحل ناظم الغزالي: "يم العيون السود.." عند مفترق أحد الأزقة، حيث مكان رمي القمامة، احتشدت كلاب تحوم حولها، داخلها، تتشممها، تلعقها، علا نباحها يمزق سكون ليل بغداد، إثر مروره.

القمر العراقي منير في عرشه، تدغدغه غيمات بيضاوات رشيقات، خطى كلكامش الأنيق تتعثر، اخترق أذنيه نباح كلاب القمامة، أخذ يغني بصوت مرتبك أغنية: "هذا مو إنصاف منك..."، مال يروم التقاط حجر يدفع به شر الكلاب، فوجئ بالحجر عبارة عن: رأس كلب صغير، بعينين حمراوين لامعتين كالجمر، يظهر رأسه ورقبته من إسفلت الطريق، طارت الرَّاحُ من رأسه، شهق مرعوباً، تردد صدى شهقته عريضاً ناصعاً حاداً في الزقاق الضيق المظلم المقوس، ابتعد بِضْعَ خطواتٍ مرتبكةٍ، اعوج على حجر آخر كبير، فإذا بالحجر رأس كلب بفراء أبيض وخطم أسود وبنفس العينين الحمراوين اللامعتين، ارتجف، تضعضع، تلفت حوله كعصفور تحاصره النيران، دارت عيناه في محجريهما، نظر إلى أعلى، وجد القمر البغدادي يتكئ مسترخياً على وسادة من غيوم بيض.

ارتفع صوت لهاثه عالياً، والكلاب تنبح بشراسة، عيناه عبثاً تبحثان في الظلمة عن حجر، تقدمت الكلاب الجائعة بنباحها المخيف الممتد نحوه بلا توان، ارتعب، انهار، لهث، وراح يشاركها عواءها. 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم