السبت - 11 أيار 2024

إعلان

عندما خرج فتى زقاق البلاط فجراً للصيد فلم يجد عصافير بل والده والجيران!

المصدر: "النهار"
احمد عياش
عندما خرج فتى زقاق البلاط فجراً للصيد فلم يجد عصافير بل والده والجيران!
عندما خرج فتى زقاق البلاط فجراً للصيد فلم يجد عصافير بل والده والجيران!
A+ A-

هل من قصة يجب ان تروى حول علي يونس إبن الاربعة عشر ربيعا الذي أمضى بالامس يومه الاخير في منزله الابوي في #زقاق_البلاط حيث لن يعود اليه مرة أخرى فجراً لكي يمضي فيه ساعات النهار نائما قبل ان يبدأ يوما جديدا، بل ذهب الى أحد سجون الاحداث؟ بالتأكيد انها قصة غير عادية يجب أن تروى وها هي برسم القراءة: 

بات من المؤكد ان المراهق علي لم يعد له مكان يذهب اليه يوميا إما لتلقّي العلم وإما لتعلّم مهنة ليزاولها كما هو مفترض في مثل هذه السن. بل هو تسرّب من التعليم عندما كان في العاشرة من عمره، أي عندما كان في المرحلة الابتدائية. ومن ثم لم يتوجه الى مدرسة مهنية أو الى أي مكان للعمل يشغّل الاطفال في حرفة او متجر، بل خرج الى الشارع لكي يملأ الفراغ بطريقة ما ليس بينها إطلاقا ما يرفع المستوى جسديا وفكريا بل يؤهله لحمل لقب "إبن شارع" على غرار الكثيرين من أقرانه الذين فقدوا توجيه الاسرة والمجتمع معا.

منطقة زقاق البلاط التي أبصر فيها علي النور عام 2003 كانت لأكثر من مئة عام خلت مكان سكن علية القوم الذين عاشوا في بيروت التي كانت تقبع ضمن بوابات في زمن العثمانيين لكنها ضاقت بسكانها الذين راحوا ينتشرون خارج البوابات، فكانت المنطقة التي تقع على مرتفع يشرف على المدينة من الغرب مقصداً للميسورين من البيروتيين وقناصل الدول الاجنبية ورعاياها لكي يجدوا فيها مكانا للسكن. ولا تزال هناك حتى اليوم آثار تدل على رفاهية أماكن السكن التي استقر فيها هؤلاء. أما تسمية المكان بـ"زقاق البلاط" فهي تعني الحي الذي جرى رصف شوارعه بالبلاط لكي تسير فوقه العربات التي تجرها الخيول والتي كانت سيارات ذلك الزمن. ومرت عقود على زقاق البلاط ليتحول من مكان لسكن الارستوقراطيين الى مكان لسكن من هم من ذوي الاحوال العادية. وإذا كان والد علي، محمد الذي أبصر النور عام 1958 في بيروت فمعنى ذلك ان أبويّه اللذين يتحدران من عين قانا في جنوب لبنان قد هبطا الى المدينة مثل الكثيرين الذين غادروا الارياف اللبنانية لكي يجدوا مصدرا للرزق في العاصمة بعدما ضاقت الاحوال في موطنهم الاصلي. وهكذا تغيّر وجه الزقاق ليصبح واحدا من المناطق الشعبية التي تكاثرت في كل المناطق القريبة من بيروت او في ضواحيها والتي حملت لقب "أحزمة البؤس" بكل جدارة.

اقرأ أيضاً: لماذا قتل الابن والده في زقاق البلاط؟

لو كان علي مولوداً في النصف الاول من القرن العشرين واختار والده أن يهدي اليه بندقية صيد لكان ذلك منطقيا لكون بيروت في ذلك الزمن كانت محاطة ببرية تستوطنها طيور وحيوانات متوحشة. أما ان يتلقى من والده هذه الهدية قبل أربعة أشهر فقط فهذا ينطوي على غرابة لأن الحياة البرية في الزقاق وسائر أنحاء بيروت والضواحي قد اختفت كليا وأصبحت مكتظة بالباطون والناس. ولهذا لا بد من السؤال: ماذا كان في ذهن محمد يونس عندما قرر ان يشتري لولده بندقية "البومب أكشن"؟ 

المأساة التي انتهت اليها حياة محمد وحياة السوريين منصور احمد عبد السلام ومحمد عيدان بالرصاصات التي أطلقها علي من البندقية المهداة اليه من والده كانت النتيجة المروعة لوجود سلاح قاتل بيد فتى لا يدرس ولا يعمل، بل كان يمضي الاعوام الاربعة الاخيرة من حياته متسكعا في أزقة الزقاق المصنف منطقة نفوذ لحركة "أمل" و"حزب الله" بسبب حجم الكثافة السكانية التي تنتمي الى الطائفة الشيعية. في هذه البيئة الحاضنة، على غرار مثيلاتها في سائر مناطق النفوذ الشيعي، صار مألوفا ان تجد فتيانا وشبانا يمضون الليل خارج منازلهم وفيها حكايات لا تنتهي حول تعاطي المخدرات والاتجار بها والاستعداد الدائم للانخراط في أعمال شغب عرفها لبنان في العقدين الاخيرين بكثافة بعد رحيل القوات السورية عن لبنان عام 2005. ولا يزال الكثيرون يتذكرون كيف هبط شبان وفتيان من المناطق البيروتية الملاصقة لوسط المدينة في الاعوام الاخيرة، وخصوصا ابان حراك المجتمع المدني لمواجهة أزمة النفايات، وراحوا يمارسون العنف والتخريب ما أنهى هذا الحراك نهائيا.

اقرأ أيضاً: أهداه والده بندقية صيد فقتله بها... جريمة زقاق البلاط وروايات الجيران

عندما سأل محمد يونس ابنه علي فجر اليوم المشؤوم: "ليش راجع وجّ الضوّ" كان ذلك السؤال الاخير قبل ان تنتهي حياته بالبندقية التي قدمها الى قاتله. من المؤكد ان علي لم يصطد بهذه البندقية يوما عصافير في زقاق البلاط بل اصطاد والده وسوريين، فلقد كانوا الطرائد الوحيدة المتوافرة في الزقاق. ولذلك ليس مستبعدا ان تكون آلاف البنادق المحشوة بالبارود والتي لا تزال بأيدي فتية وشبان يعودون فجرا الى منازلهم مستعدة لتكرار هذا النوع من الصيد برعاية من جعل البيئة الحاضنة مرتعا للقتل على كل المستويات!

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم