الجمعة - 10 أيار 2024

إعلان

شجّع الإنكليز الحركة الوطنية في سوريا ولبنان فغضب ديغول وأمر بإعتقال زعمائها

المصدر: "النهار"
Bookmark
شجّع الإنكليز الحركة الوطنية في سوريا ولبنان فغضب ديغول وأمر بإعتقال زعمائها
شجّع الإنكليز الحركة الوطنية في سوريا ولبنان فغضب ديغول وأمر بإعتقال زعمائها
A+ A-
يوجز محمد حسنين هيكل في هذا الفصل (السابع) من كتابه الاول عن القنوات السرية للمفاوضات العربية - الاسرائيلية، الاستراتيجيا التي اتبعها اليهود في مصر لبسط نفوذهم السياسي (الحزب الشيوعي خصوصا) والاقتصادي والمالي والاعلامي والاعلاني. ويروي تفاصيل عن حياة الملك فاروق ومفاسد عهده، ويتطرق الى الصراع بين النفوذين الانكليزي والفرنسي في الشرق الادنى حيث شجع الانكليز حركة وطنية في سوريا ولبنان فغضب الجنرال شارل ديغول و"سمح" للحاكم العام في بيروت بالقبض على رئيسي الجمهورية (بشارة الخوري) والحكومة (رياض الصلح) واركانها وارسالهم الى السجون والقلاع البعيدة (قلعة راشيا). واشار الى وقوف مصر بجانب لبنان، متوقفا عند دور الثلاثي النسائي: الملكة نازلي (الملكة الام) والليدي كيلرن (زوجة السفير البريطاني والسيدة زينب الوكيل زوجة مصطفى النحاس). والكتاب واحد من ثلاثية تنشر "النهار" فصولها بتترتيب خاص مع "دار الشروق" في القاهرة التي تصدر الكتب لاحقا. - 7 - الملك فاروق في منتصف الثلاثينات كانت هناك تغييرات مهمة تقع في مصر، ومع ان كل تغيير منها جرى على غير ما صلة ظاهرة بالآخر، فان صلات من نوع ما كانت تربط هذه التغييرات كلاً منها بالآخر: * كانت هناك مرحلة من الكفاح الوطني على وشك ان تصل الى نهايتها، وكانت معاهدة عام 1936 (بين مصر وبريطانيا) علامة هذه النهاية. والحاصل ان الرعيل الاول من جيل المطالبين بالاستقلال كان تعرض كثيراً لعوامل النحر والتعرية واصبح مكشوفاً لقبول اي حل مع بريطانيا يرد فيه ذكر "الاستقلال" و"الجلاء"، حتى وان يكن ذكر الاثنين يجيء مبهماً. - وكان هناك جيل من الشباب الطامح الذي نشأ بعد مناخ ثورة 1919، وكان هذا الجيل مهد لحركة طلبة الجامعات (عام 1935) التي فرضت على الزعماء التقليديين للاحزاب ان يجتمعوا معاً في جبهة وطنية لمفاوضة الانكليز، وفي حقيقة الامر فقد كان هناك ما يمكن تسميته "نصف ثورة" اشاعت في مصر جواً فواراً. لكن هذا الجو الفوار ما لبث ان خمد بتوقيع معاهدة عام 1936. - وكانت مغامرة طلعت حرب العظيمة قد بنت هياكل بنك مصر وشركاته، وشاع في شكل ما احساس بأن هناك كثيراً يمكن عمله في مجال النمو الاقتصادي. وفي اقل القليل فان مصرياً بارزاً اثبت عملياً ان النمو ممكن وان المصريين قادرون عليه. - وفي 1936 مات الملك فؤاد. وكان حكم هذا الملك المتأثر بالثقافة الايطالية والقريب من فكر اسرة آل سافوي المالكة في ايطاليا يومها، قد تراجع مع السنين وامام ضغوط الحركة الشعبية الى نوع من حكم آل بورجيا الذي تغلب فيه دسائس القصور على طموحات الملوك. - ثم ان ولاية العرش انتقلت بعد الملك فؤاد الى ولي عهده فاروق الذي بدا في ذلك الوقت صبياً جميلاً ذكياً ناقص التعليم والثقافة معاً - لكنه بصباه قادر على التعويض وفي كل الاحوال فان صباه اعطى مصر احساساً بأنها قرب وعد جديد. - مضافاً الى ذلك ان الموقف الدولي كان يتحرك بسرعة، مع ظهور الفاشية في ايطاليا، والنازية في المانيا، والبولشفية في روسيا، الى حافة حرب عالمية يمكن ان تندلع في اوروبا، ويمكن ان يصبح الشرق الاوسط واحداً من ميادينها. ان ذلك المناخ العام المشحون، صاحبته علامات تستدعي التأمل: 1- كان الرجل الذي اختاره الملك فؤاد للاشراف على تربية ابنه فاروق، والذي رافقه في رحلة العلم التي لم تكتمل الى بريطانيا، وهو نفسه عزيز المصري (باشا)، وهو اول رسول في قوى الثورة العربية الاولى - ابان الحرب العالمية الاولى - للاتصال والتفاوض مع بريطانيا. وهو نفسه صاحب شرط الدولة العربية المستقلة، وهو الشرط الذي رفضه الانكليز وحاولوا بعده عزل عزيز المصري، وفضلوا عليه - وعلى غيره من القوميين العرب - ان يكون تعاملهم مع الامراء الهاشميين والسعوديين الذين شغلتهم التيجان والعروش المعروضة وقتها في واجهات العالم العربي! وليس معروفاً لماذا وقع اختيار الملك فؤاد على عزيز المصري بالتحديد، ولعل الملك الذي يئس من الخلافة العربية الاسلامية لنفسه، حلم بها لابنه، واختار عزيز المصري ليكون جسراً يمشي عليه الحلم والفكرة من جيل الى جيل. ربما. وربما ان الملك فؤاد اراد تربية ابنه تربية عسكرية صارمة تصور ان عزيز المصري يمكن ان يعطيها اياه ويعوده عليها. ربما. ولعل الخطأ الذي وقع فيه الملك فؤاد ان اختياره عزيز المصري المرافق الاول لابنه في انكلترا - صاحبه اختياره احمد محمد حسنين احد امنائه لكي يكون المرافق الثاني لابنه. وكان هناك تناقض شديد بين شخصية وفكر كل من الرجلين. فأولهما كان يريد للأمير الشاب حياة جادة صعبة، في حين كان الثاني من انصار حياة سهلة ورخوة. والحاصل ان وجود الرجلين في حياة الامير الصبي اصابه بتناقض عانى منه في ما بعد، وعانت مصر معه عناء شديداً. وفي منتصف الثلاثينات، كان تأثير عزيز المصري ملحوظاً على الملك الشاب. 2- وكان الرجل الذي وقع عليه الاختيار لرئاسة الوزارة في تلك الظروف المفعمة بالأمل وبالاخطر معاً عقب معاهدة عام 1936 هو علي ماهر (باشا). وكان علي ماهر سياسياً مستقلاً خارج الاحزاب، ومحاطاً بمجموعة من الرجال يتصورونه "رجل الساعة"، وقد استخدموا هذا التعبير فعلاً ذلك الوقت. وكان بين هؤلاء الرجال مجموعة من الذين اطالوا النظر في قضية انتماء مصر القومي، وقضية مستقبلها، وكان معظمهم من انصار التوجه الى الشرق. والى جانب عزيز المصري كان هناك آخرون من امثال عبد الرحمن عزام، ومحمد علي علوبة، وصالح حرب، ومحمود عزمي، وغيرهم. وكان تصور هؤلاء جميعاً للشرق غير محدد في ذلك الوقت، فلم يكن الشرق هو الأمة العربية وحدها، وانما كان الشرق مترامياً وراء ذلك واصلاً الى ايران. ولعل هذا التوجه شرقاً كان واحداً من الاسباب التي دفعت في ذلك الوقت الى زواج ملكي يجمع ما بين الاميرة فوزية شقيقة الملك فاروق، ومحمد رضا بهلوي ولي عهد ايران. 3- وكان من العلامات المثيرة للاهتمام في ذلك الوقت ان تلك كانت الفترة التي ظهرت فيها تنظيمات انبعثت من حركة الشباب، نصف الثورة عام 1935. كانت جماعة "الاخوان المسلمين" قد ظهرت في اواخر العشرينات. لكنها اكتسبت لنفسها قوة جديدة في ظروف الفوران الذي صاحب اجواء مصر فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية مباشرة. وكانت علاقة "الاخوان المسلمين" بعلي ماهر وثيقة، وعن طريقه كانت العلاقة بالقصر سالكة. والشيء نفسه حدث لجماعة اخرى من الشباب، هي حركة "مصر الفتاة" وقد تزعمها احمد حسين، وبرز الى جواره جمع من الشباب المرموق بينهم فتحي رضوان ونور الدين طراف. وهكذا فان اهتمام مصر بثورة الشعب الفلسطيني عام 1936 لم يكن عشوائياً، وكذلك لم يكن من قبيل المصادفات اشتراك مصر في مؤتمر فلسطين في لندن عام 1938. ثم حدث ان الحرب العالمية الثانية زحفت بجيوشها الى ميادين القتال بما فيها مصر. ومما يستحق الاهتمام مراجعة ما حدث لمدرسة الشرق وقت الحرب العالمية الثانية وحين فرض الانكليز في ظروفها سلطتهم العسكرية على مصر، كما كانت تقريباً في وقت الحماية اثناء الحرب العالمية الثانية. لقد تم اعتقال علي ماهر باشا والمزعج انه اعتقل داخل مجلس الشيوخ بطلب من السفير البريطاني وقعه مصطفى النحاس باشا. كذلك جرى اعتقال عزيز المصري (باشا) بصرف النظر عن الظروف، وجرى تحديد اقامة آخرين من رجاله مثل صالح حرب (باشا)، كما جرى حصر نشاط آخرين منهم مثل محمد علي علوبة (باشا) وعبد الرحمن عزام (باشا) وغيرهما. والمصير نفسه، السجن او العزل او الحصار، لحق برجال من امثال احمد حسين وفتحي رضوان ونور الدين طراف والشيخ حسن البنا. والحاصل ان الانكليز انفسهم كانوا اول من اعطى الحركة العربية مرة اخرى رخصة للفعل. وهكذا فان ما حدث في الحرب العالمية الاولى، عاد ليعرض نفسه بطريقة مختلفة في ظروف الحرب العالمية الثانية. ثم كان - لضرورات استمرار الحرب قبل معركة العلمين الفاصلة التي انهت حلم هتلر بالوصول الى قناة السويس ثم سوريا والعراق وما بعدهما، ان الشرق العربي كله وضع تحت سلطة وزير بريطاني - عضو كامل في مجلس الوزراء - مقيم في الشرق الاوسط. ونظراً الى صعوبة وسائل المواصلات والاتصالات، بسبب ظروف الحرب، فان الوزير البريطاني المقيم في الشرق الاوسط اصبح حاكم المنطقة، في مجال السياسة والاقتصاد. ودون ان يقصد احد فقد برزت خلال الحرب حقيقة كبرى، تلك هي ان المنطقة من وادي الفرات الى وادي النيل - وسوريا وسطها ضلع مكمل للضلع المصري على الزاوية الجنوبية الشرقية للبحر الابيض - اصبحت وحدة واحدة، لها خصائص مشتركة. وبينها تكامل جغرافي لا يمكن قطعه، وأمن يصعب الفصل بين مقتضياته، ومصالح متصل، وتماثل ثقافي من نوع فريد. ومركز ثقل واحد في القاهرة ليس من السهل تعويضه. كانت قيادة الشرق الاوسط تحت اشراف الوزير البريطاني المقيم، تنسق على اتساع المنطقة كل شيء. الانتاج، التموين، المواصلات، القرار السياسي - الى جانب المشاركة في الجهود العسكرية اللازمة لتحقيق النصر ضد المانيا وايطاليا وشركائهما في الحرب. ولم يكن ممكناً لذلك ان يحدث الا ويصاحبه، يسبقه ويلحقه، تفاعل من داخل المنطقة ذاتها يتصل بما يجري فيها ويجري حولها، خصوصاً اذا كانت هناك من الاصل قواعد ولحقت على القواعد وبقوة الاشياء، جسور. والحاصل انه في سنوات الحرب، سواء والقتال يجري قريباً من المنطقة او عندما ابتعدت الجيوش متحركة الى ميادين اخرى، وكانت منطقة الشرق الاوسط قائمة في ذاتها، معتمدة على بعضها البعض، متصلة في ما بينها بغير عوائق او فواصل لأنها كانت في اطار مسرح استراتيجي واحد. ولعل الحكومة البريطانية - من دون ان تقصد - سمحت للقواعد والجسور ان تؤدي دورها في جلاء حقائق، وفي ربط اطراف، وفي تنسيق حركة تيارات، وهي فعلت ذلك لاغراضها وكان بعضها تكراراً لما حدث في الحرب العالمية الاولى. ثم ان الحكومة البريطانية تمنت ان يخلص لها الشرق الاوسط بغير شريك، وقد تصورت ان فرنسا التي شاركتها مرة من قبل في قسمة المنطقة خرجت من القسمة باستسلامها لهتلر عام 1940 وبقيام حكومة موالية في فيشي للمحور يتزعمها الجنرال بيتان. واستغلت بريطانيا سقوط فرنسا في الغرب ومدت يدها الى ممتلكاتها في الشرق - سوريا ولبنان - فاخرجت منها الادارة التابعة لحكومة فيشي، ودخلت الى بيروت ودمشق محررة بجيش يقوده الجنرال (جامبو) ويلسون. لكن ضرورات الحرب في الغرب اقتضت...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم