السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

في محاسن المخيّم الكشفي

المصدر: "النهار"
غسان صليبي-باحث وخبير اجتماعي مستقل
في محاسن المخيّم الكشفي
في محاسن المخيّم الكشفي
A+ A-

هو مجموعة مخيمات، هذا البلد ! 

مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، اولاً.

مخيمات الفصائل والاصوليات والعنف المتنقل. مخيمات ما بعد النكبة الاصلية وما بعد النكبات المتناسلة .

مخيمات الفقر، والبطالة، والخدمات العامة الضحلة، والحقوق الانسانية غير المعترف بها.

مخيمات النازحين السوريين، ثانيا .

مخيمات القهر والبرد والحرائق. مخيمات البؤس، والشحاذة، والزواج المبكر، والعمل غير الشرعي .

مخيمات الانقسامات المعلنة وغير المعلنة. مخيمات التوجس من الخارج والقلق الدائم .

مخيمات "المواطنين" اللبنانيين، ثالثا .

كان يجب ان اقول، اولا، احتراما للاسبقية التاريخية. أليس لبنان، في وعينا الجمعي، وعبر التاريخ، ملجأ للأقليات النازحة اوالمضطهدة؟ أليس هذا ما نتعلمه في المدرسة ونردده في المناسبات، السعيدة او التعيسة، على السواء؟

لكننا نكابر ولا نقبل بأن نسمّي انفسنا لاجئين !

الحجة اننا انتقلنا إلى وضع تاريخي جديد اسمه وطن، واصبحنا تالياً مواطنين وليس لاجئين .

فلندقق في هذه الحجة ولنستعرض الوقائع .

تجمعات مذهبية او طائفية متقوقعة، محاذية ومعادية بعضها لبعض.

مناطق سكنية مسلحة تشبه المخيمات العسكرية .

قوانين انتخابية او للاحوال الشخصية تتعامل معنا كأتباع مذاهب وليس كمواطنين .

فقر، بطالة، لا مساواة.

خدمات عامة مقطوعة او سيئة .

زبالة بين المنازل .

طرق غير معبدة .

بناء عشوائي .

لا سياسة اسكانية وقانون غير عادل للإيجارات .

مساكن غير لائقة او مهددة بالانهيار.

سلاح متفلت في إيدي المواطنين.

عنف مستشرٍ في العائلة والمدرسة والشارع.

حكام متسلطون وفاسدون، يتصرفون كالعصابات المسلحة .

معارضة ركيكة، نقابات تابعة، مجتمع مدني ضعيف وتائه .

قضاء غير مستقل وغير عادل .

شعب يتنقل من حرب أهلية إلى أخرى، وهو رهينة الحروب الإقليمية.

شعب يحلم بالهجرة وليس بغير الهجرة .

هذا البلد، الا يشبه المخيم؟

هذا الشعب، الا يعيش ،ويتصرف، ويفكر، كالنازح، كاللاجئ؟

مخيم اللبنانيين مخيم بنجمتين، مقارنةً بالمخيّمين الآخرين.

اللبنانيون لاجئون درجة أولى، مقارنة باللاجئين الآخرين.

إنها في مجموعها وانواعها الثلاثة، مخيمات متقابلة، متداخلة أحيانا، عنصرية في ما بينها، متوجسة من بعضها. الجميع على هذه الارض دائم التخوف، من انفجار في المخيمات، كل انواع المخيمات، او بعضها في وجه بعض. هذا ما ينبئ به الشعور، وتشير اليه الوقائع اليومية، وتدل عليه التوقعات التحليلية.

هل نستسلم وننتظر حتفنا؟

المسألة في حاجة إلى مقاربة إنسانية، لا مذهبية، ولا "وطنية عنصرية". في حاجة الى اخلاقيات جديدة، نبدعها، من منطلق اننا كلنا بشر، احفاد لاجئين، لاجئون او مشروع لاجئين .

في نقاش مع عامل فلسطيني حول أزمة العمالة والمنافسة بين العمال اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين، قال مخاطبا النقابات اللبنانية والفلسطينية: "يشوفوا هالشركات ويتفقوا معا ويحطوا شوي لبنانيي وشوي فلسطينيي وشوي سوريي من شان نعيش".

نداء انساني، عفوي، والهدف واضح وبدائي: "من شان نعيش".

تاريخيا، جرت مواجهة جبروت سوق العمل في الاقتصاد الحر، من خلال ضغط النقابات وتنظيم العمالة الاجنبية وتطبيق سياسات للعمالة من قبل الدولة الراعية، وفي ظل انتشار القيم الانسانية والاجتماعية. هذه جميعها، شبه منعدمة عندنا. المطلوب عمليا، في واقعنا، وقف او لجم نزعة اصحاب العمل لتوظيف العمالة الرخيصة، وذلك من خلال فرض احترام الحقوق العمالية في الاجر وظروف العمل. طبعا هذا لا يحل مشكلة العمالة والبطالة الوطنية لكنه يحد منها، كما انه للاسف، يبقي مشكلة البطالة في أوساط العمالة الأجنبية .

سوق العمل لا يعترف بحق العمل بل بحق المنافسة .

انه مستبد وظالم، لا يراعي الاعتبارات الانسانية او الوطنية. وهو بتسلطه، بات يهدد مثلا، وحدة اوروبا بعد انسحاب بريطانيا، وتحت وطأة النزعات الانكفائية المعادية للعمالة الأجنبية والانفتاح .

لا يضاهي قسوة سوق العمل ويتجاوزها، عنفيا، سوى سوق المذاهب، في ظل نظام دولي- إقليمي يوظف المذاهب في عملية المنافسة لبسط السيطرة والنفوذ على البلدان والمنطقة. المنافسة بين القوى الاقليمية والمذاهب تجري على الارض، تقتيلا، تهجيرا وتدميرا... وصولا إلى نصب المخيمات!

بين سوق العمل وسوق المذاهب، حياتنا مهددة ومصيرنا محتوم. هل نرأف بأنفسنا، وننظم وضعنا، على شاكلة المخيم الكشفي، حيث يتجاور البشر والخيم بسلام، من خلال صيغة سياسية- اقتصادية -اجتماعية، توفق، كما في المخيم الكشفي، بين الاتكال على الذات والتعاون، في جو من الحرية واحترام البيئة؟!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم