المهاجرون اللبنانييون بين 1975 و1994 . استنزاف قاتل للادمغة والسواعد

بدأت الهجرة من لبنان في منتصف القرن التاسع عشر، ولم تتوقف منذ ذلك الحين. لا بل شهدت ثلاث موجات كبيرة بعد ثلاث حروب مدمّرة ألمّت بالمجتمع اللبناني: حرب 1860 والحرب العالمية الاولى وحرب 1975-1994. وشكّلت الهجرة جرحاً موجعاً للبنان، جرحاً نازفاً لا يندمل. اذ ينسلخ عن المجتمع جزء منه. ولا يقل وجع الاندماج في المهاجر المضيفة عن وجع الانسلاخ عن الوطن. بعض المهاجرين يعود بعد ان يفني العمر والاكثرية لا تعود. اما سمعتم صرخة الشاعر رشيد ايوب في مناجاته وادي الجماجم في بسكنتا، اذ يقول بحرقة: "انت عميق ايها الوادي مثل جراح قلبي، سأعود اليك ولو في آخر العمر". ولكنه لم يعد. يرسل بعض المغتربين مالاً لذويهم ما يلبث ان يشحّ دفقه مع مرور الايام. اذ يقضي جيل الاهل وتنشأ اجيال جديدة تضعف لديها علاقات الحب والحنين الى حد التلاشي بعد الجيل الثاني. ولو اقمنا ميزاناً لمحاسن الهجرة ومساوئها لرجحت بما لا يقاس كفة المساوئ على لبنان. اذ كيف تكون، كما يقولون، اهم الاستثمارات هي الاستثمارات في الموارد البشرية ونأمل للبنان النازف في بنيه اي قيامة فعلية. لقد اقامت الدول الكبرى سياسات لاستقطاب الكفايات من كل دول العالم واقام سياسيو لبنان سلطانهم على سياسة ثابتة تقضي بتشجيع هجرة ابنائه. تغيب المعلومات حول المغتربين اللبنانيين فلا تعرف اعدادهم ولا نشاطاتهم. لكن دراستنا هذه تهدف الى تقدير اعداد المهاجرين في موجة الهجرة المنطلقة بعد 1975 وحتى 1994، أنى حطت بهم الرحال وتقدير اصولهم الدينية والجغرافية وحالاتهم التعليمية وتقدير الخسارة التي تكبّدها لبنان من جراء هذه الموجة العاتية. 2- تقدير عدد اللبنانيين المهاجرين بين 1975و1994 قمنا بدراسة بالعينة شملت 422 اسرة. ضمت هذه الاسر عام 1993 1321 شخصاً. منهم 1694 مقيماً في لبنان و419 مهاجرا خلال الفترة الممتدة من 1975 الى 1994. وكنا قدّرنا في دراسة ميدانية سابقة عدد سكان لبنان المقيمين ب 000ر946ر2 نسمة في عام 1993. مما يسمح لنا بتقدير عدد المغتربين اللبنانيين بين 1975...