الجمعة - 10 أيار 2024

إعلان

ما بدائل القاهرة والرياض بعد خلافهما؟

المصدر: "النهار"
أمين قمورية
ما بدائل القاهرة والرياض بعد خلافهما؟
ما بدائل القاهرة والرياض بعد خلافهما؟
A+ A-

العلاقة بين مصر والسعودية ليست سمناً على عسل، لكن هل وصلت إلى طريق مسدود بعدما ظهرت الخلافات بينهما الى العلن وخرجت من الغرف المغلقة الى الفضاء الرحب؟
واذا كانت الرياض، الداعم الاكبر لمصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، قدمت مساعدات اقتصادية كبيرة للقاهرة منذ اطاحة الرئيس محمد مرسي في 2013، غير أن مواقف البلدين لم تكن منسجمة في بعض الملفات الاقليمية مثل الملفين السوري واليمني. ورغم أن زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز للقاهرة مطلع نيسان الفائت بددت فتوراً في العلاقات خصوصاً مع توقيع عشرات الاتفاقات الاستثمارية بنحو عشرين مليار دولار، إضافة الى اتفاق لإمداد القاهرة بالنفط لخمس سنوات بكلفة 23 مليار دولار، فإن تصويت مصر لمصلحة مشروع قرار روسي في مجلس الأمن في شأن سوريا لا توافق السعودية عليه، أغضب الرياض التي قررت وقف شحناتها من النفط الى القاهرة. ورد السيسي على هذا القرار قائلاً "يا مصريين لو عايزين استقلال بجد متاكلوش ولا تناموش"، وأضاف: "هناك محاولات للضغط علينا، ومصر لن تركع إلا لله".
والعلاقات بين مصر والسعودية القطبين الكبيرين في المنطقة العربية، ليست كأي علاقة بين دولتين عاديتين، نظراً الى الوضع الحالي في المنطقة والدور المفترض والمطلوب من كليهما في هذا الشأن وفي هذا الوقت بالذات، والى حاجة الاقتصاد المصري للمساعدة الخليجية، والى وجود أكبر جالية مصرية هناك.



وتريد المملكة أن تتبنى مصر موقفها في ما يتعلق بسوريا. فى حين تقول القاهرة إنه "لا يعقل أن تحارب القاعدة وداعش فى سيناء كما تحاربها السعودية فى أراضيها، وتصنف السعودية الإخوان كجماعة ارهابية. ثم نحاول أن نساعدهم ليصلوا إلى الحكم فى سوريا، خصوصاً أنهم يسيطرون على أغلب المناطق غير الخاضعة لسيطرة الجيش السوري، فى حين أن المعارضة الموصوفة بأنها معتدلة لا تزال غير مؤثرة، ولا تريد القاهرة أن يتكرر السيناريو الليبي فى سوريا حينما اطيح القذافي من دون الإعداد الفعلي لليوم التالي".


وتضيف مصر إنها صوتت لصالح القرار الفرنسي المدعوم من السعودية والولايات المتحدة وأوروبا، وعندما استخدمت روسيا حق النقض "الفيتو"، وطرح المشروع الروسي، فقد صوتت له، لأنه يدعو فى جزء كبير منه، إلى محاربة الإرهاب ويتيح وصول المساعدات الإنسانية للمحاصرين، وتالياً فهي لا ترى أي تناقض بين الأمرين".
لكن الامر على مايبدو أعمق من مجرد خلاف على تصويت في مجلس الامن، إذ يقول الكاتب الصحافي المصري عبد الله السناوي لوكالة "فرانس برس": "هناك دوما حديث عن تحالف استراتيجي بين القاهرة والرياض. وهذا غير صحيح". ويضيف "التحالف الاستراتيجي يعني وجود تفاهمات في الملفات الاقليمية، وهو أمر غير موجود بينهما في الملفين السوري واليمني. الخلاف الآن انفجر وظهر للسطح". ويؤكد "في سوريا، الموقف المصري يناقض الموقف السعودي"، موضحاً أن "مصر مع وحدة الأراضي السورية وضد تفكيك الجيش السوري وضد كل الجماعات المعارضة المسلحة، ومنها جبهة النصرة التي تساندها السعودية ولها دور في تدريبها وتمويلها".



ويقول السفير السابق السيد أمين شلبي، المدير لتنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية وهو مركز بحثي مستقل في القاهرة، "السعودية موقفها حاسم تجاه رحيل بشار الأسد وترى في ذلك حلاً للأزمة، بينما مصر مع الحل السياسي للأزمة وأحد عناصره بشار الأسد".
وتستضيف القاهرة باستمرار لقاءات لمعارضين سوريين يدعمون الحل السياسي. وتأخذ الرياض على القاهرة مشاركتها المحدودة في التحالف العربي الذي يتصدى للمتمردين الحوثيين في اليمن المتهمين بتلقي الدعم من إيران، منذ إعلانه في آذار 2015.
وفي المقابل يرى الكاتب السعودي جمال خاشقجي في حديث للوكالة نفسها ان "مصر لا ترى خطر الإيرانيين" الذين يدخلون في صراع إقليمي محموم مع السعودية بتأييدهم لبشار الأسد في سوريا والحوثيين في اليمن، معتبراً ان "السعودية تسامحت مع الموقف المصري مراراً وتكراراً. وأعتقد ان ما حدث في تصويت الأمم المتحدة هو القشة التي قصمت ظهر البعير". لكنه يستدرك أن "السعودية تشعر بالقلق حول مستقبل مصر... الأمور لا تسير بشكل جيد اقتصادياً. ومع الركود السياسي، فهناك قابلية لأزمة جديدة في مصر. ولا أحد يتمنى أزمة أخرى في المنطقة".



وكان مندوب السعودية في مجلس الأمن عبد الله المعلمي صرح في مقابلة تلفزيونية بعد عملية التصويت في مجلس الأمن "كان من المؤلم ان يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب الى التوافق العربي من موقف المندوب العربي (المصري)".
وبعد يومين من تصويت مصر الى جانب مشروع القانون الروسي، صرح الناطق باسم وزارة البترول المصرية حمدي عبد العزيز أن "شركة أرامكو السعودية ابلغت الهيئة العامة للبترول (المصرية) شفوياً مطلع الشهر الجاري بوقف امدادات البترول لشهر (تشرين الاول) أكتوبر دون إبداء أي أسباب".
ويحتاج السوق المصري شهريا إلى 6،5 ملايين طن من المنتجات البترولية يستورد منها 1،75 مليون طن منهم 40 في المئة من السعودية وحدها.
ليس الخلاف الاول
وهذا ليس أول خلاف كبير بين الدولتين، ففي نهايات عام 1962 كانت علاقة المملكة السعودية بنظام الرئيس جمال عبد الناصر في مصر قد بلغت الحضيض. تبادلت إذاعات البلدين الشتائم، واتهم عبد الناصر السعودية بدفع الملايين لتمويل الانقلاب الذي أدى لتفكيك الوحدة بين مصر وسوريا وإنهاء "الجمهورية العربية المتحدة". صفعة رد عليها عبد الناصر بدعم الثورة الجمهورية في اليمن، على مشارف السعودية، وإرسال الجيش المصري لمساندتها في وجه حكومة الإمام المدعومة من النظام السعودي.
لاحقًا، وعقب الهزيمة التي منيت بها مصر في 1967، والتي أوهنت نظام عبد الناصر وحطمت أسطورته، قرر ناصر الجريح سحب الجيش المصري من اليمن، ووجه الشكر للملك فيصل على الدعم الذي قدمه لمصر في قمة اللاءات الثلاثة في الخرطوم.
بيد ان الزمن تغير الآن، ففي الستينات كان في إمكان السعودية إنفاق الملايين لمناوءة نظام ناصر المتزايد القوة، لكن اليوم، ورغم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها السعودية، فإن قرار التوقف تمامًا عن دعم النظام المصري المتهالك، فضلًا عن "معاداته"، ليس بهذه السهولة ولا يصب بالضرورة لا في مصلحة الملكة ولا في مصلحة مصر. فالمشهد الحالي مختلف تمامًا عن مشهد الستينات على المستوى الإقليمي، فـ "حلف بغداد" الذي ارتكز على النظامين الإيراني والتركي المواليين للغرب، سقط بعد وصول الامام الخميني إلى السلطة في إيران وتأسيس الجمهورية الاسلامية، بالتزامن مع صعود الإسلاميين في تركيا تدريجيًا بقيادة نجم الدين أربكان، انتهاءً بوصول تلميذه طيب رجب أردوغان إلى الزعامة شبه المطلقة لـ"تركيا الجديدة". واليوم تقود إيران، الغريم الأول للسعودية، معركة كبرى لتوسيع نفوذها في اعماق العالم العربي وخصوصاً في محيط المملكة وجوارها، لا سيما اليمن والبحرين والعراق وسوريا. في حين تبحث تركيا أردوغان عن حصة لها في عمق سوريا والعراق.
وعلى المستوى الدولي فالدعم الأميركي للنظام السعودي، والذي كان الاعتماد عليه أحد ثوابت السياسة السعودية، لم يتراجع فقط، بل صار محل شك مع توقيع قانون "جاستا" في الكونغرس الاميركي.



وفي ظل الوضع المأزوم في الاقليم، وفي غمرة التصعيد بين السعودية وايران، وانخراط الرياض في مواجعة عسكرية مباشرة في اليمن وغير مباشرة في سوريا والعراق والبحرين، فإن خسارة الحليف المصري لا تعوض، ولا سيما ان العلاقات بين الرياض وانقرة لا تزال تشوبها شوائب كثيرة على خلفية الموقف السعودي من "الاخوان المسلمين" وعلى زعامة العالم السني. وفي المقابل، فإن مصر التي تواجه أخطر انكشاف في أمنها القومي بفعل الاضطرابات على حدودها الغربية في ليبيا والوضع المتفجر في سيناء وخلافها مع "حماس" على حدودها الشرقية، وكذلك في مصادر مياها مع اثيوبيا في الجنوب الى حرب اليمن على بوابة باب المندب والبحر الاحمر، إضافة الى ازمتها الاقتصادية، لا تستطيع ان ترى نفسها معزولة بلا اصدقاء او حلفاء كبار أكانوا من الجيران الاقليميين او من الدول العظمى. فمصر الآن تواجه ازمة عميقة مع تركيا، وعلاقاتها غير مستقرة مع الولايات المتحدة منذ وصول السيسي الى السلطة واطاحة حكم "الاخوان"، فهل تستعيض عن تراجع علاقاتها بحليفتها الاوثق المفترضة، السعودية، بالتفاعل اكثر مع قضايا الاقليم وبفتح حوار مع ايران الامر الذي بات ضرورة اقليمية رغم حساسيته وتعقيداته؟ وهل ستقيم توازناً بعلاقاتها بتطوير الصداقة القديمة المتجددة مع روسيا التي تسعى الى تثبيت دورها لاعباً نافذاً على الخريطة الدولية ولا سيما الشرق أوسطية وتتويجها بترسيخ تفاهمات سياسية واتفاقات ومعاهدات؟ وهل يراجع الجميع سياساتهم والاخطاء للحد من الخسائر التي ساهمت وتساهم في ايصال الوضع العربي الى هذا المنحدر الخطير أم نشهد المزيد من انقلاب الادوار وتبدل التوجهات وسقوط أحلاف وقيام أخرى؟
[email protected]



Twiter:@amine_kam


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم