الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هذا الرجل المقعد يقول ان أولاده اتهموه بالتسبب في موت أمهم ظلماً: "أنا الآن متروك، مريض ومحتاج"!

المصدر: "النهار"
طرابلس - رولا حميد
هذا الرجل المقعد يقول ان أولاده اتهموه بالتسبب في موت أمهم ظلماً: "أنا الآن متروك، مريض ومحتاج"!
هذا الرجل المقعد يقول ان أولاده اتهموه بالتسبب في موت أمهم ظلماً: "أنا الآن متروك، مريض ومحتاج"!
A+ A-

كتب الشقاء على م. ش. مواليد 51. يبدو، وهو مقعد، هامة كبيرة، وجسداً متباسقاً ومتماسكاً، لكن الظروف قست عليه، كما يبدو من حاله. ما إن يدخل عليه شخص، حتى يجهش بالبكاء. وفيه تشكٍ، وشعور كبير بالظلامة، والإهانة، بلسان ثقيل، ولغة لا تفهم. يريد ببكائه أن يعبر عن قساوة الحياة، وقساوة الأبناء المتناسين أن الوصية الالهية: "وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احساناً اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا".


انه الامر الالهي بالاحسان الى الوالدين من خلال ادخال البهجة والسرور عليهما تقديراً واجلالاً واعترافاً بفضلهما ومحاولة رد شيء من رعايتهما وتربيتهما لابنائهما في الصغر. 


ويزيد الطين بلة على الأهل عندما يشعرون بالإهانة، خصوصاً إذا احدهما، أو كلاهما، عاشا الحياة بصلابة وتحدٍ، ونجحا في تحديها. والرجل يصنف من هؤلاء الذين كابدوا في حياتهم، عمل من أجل عائلته معلماً في طلاء السيارات، وعرفه الناس في أحياء عدة من المدينة، في التبانة، والشعراني، وباب الرمل، تنقل من مكان إلى آخر بحثا عن الأفضل من المدخول. ربى ابناءه على شيء من الاكتفاء والرفاه، وفي لحظة غضب وانفعال، نسي الأبناء ما هو متوجب عليهم أخلاقياً وإنسانياً ودينياً.


أنجب الرجل ثلاث بنات وثلاثة شبان، وقتل أحدهم في الاحداث الاخيرة. وكان لخسارة الولد أثر كبير على الأب الذي يعاني الصعوبات المختلفة، واصابه مرض السكري وضغط الدم، وثقل لسانه، وضعف أمام عاتيات الدهر، بمواجهة الإنكار له من أقرب المقربين منه: الأولاد.


جرحه بليغ، كما يظهر في طريقة كلامه الممزوج بالبكاء على الدوام، وكذلك في ما آلت إليه أوضاعه الصحية: صعوبة حركة من دون عصي يرتكز عليها، وجلوس دائم على كرسي بلاستيك، وطاولة صغيرة أمامه، عليها حاجاته الأساسية، قنينة ماء، وبعض طعام.


يسكن في ما يشبه غرف منزل، يمكن الصعود إليه عبر درج طويل، في محلة سوق الخضار في باب التبانة. بنهاية الدرج، سفرة يتخذها الرجل مستقره، ليطل منها على الشارع، فيتسلى بحركة المارة تعبر أمام مدخل البيت، لكن لا أحد يمر به للتحية.


البيت يفترض أن يكون ممنوعاً من السكن نظرا لوضعيته. جدران متآكلة ومهترئة، لم تعرف الطلاء منذ زمن طويل، وأرض باطون قديم متآكل وخشن. وله غرفة تعلو السفرة ببضع درجات، تنتشر فيها بعض ثياب واوعية لم تحظَ مرة بالترتيب والاهتمام.


يستقبل الخمسيني المقعد زائره بغرابة، وما إن ينطق حتى يبدأ البكاء: "عندي ثلاث بنات، واحدة منهن متزوجة منذ عشر سنوات، لكنني لا اعرف شيئا عنها أو عن أولادها، وثلاثة شباب، كلهم غائبون عني منذ سنوات، لكن هم قساة القلب".


يتابع عارضاً مشكلته: "توفيت والدتهم بنوبة ضيق تنفس ... قالوا لي إنني قتلت أمهم ... أنحوا باللائمة علي. وأجبروني على مغادرة البيت، ومازالوا يعيشون فيه".


عن أولاده، قال: "أعمارهم ثلاثون سنة وما فوق. عندما ماتت والدتهم، لاموني وقالوا أنها ماتت بسببي. هذا ظلم. ماتت من المرض. لم افعل ما يؤذيها".


الرجل يطلب الرحمة، كما يقول، متابعاً: "معقول يتركوني هيك... أين الوزير... أنا مواطن لبناني ... أحتاج إلى العلاج ... في المستشفى، أعطوني عدة أبر في ظهري... لم اعد قادراً على المشي. بنجوني وعملولي عملية في المبولة... كان فيها ورم والتهاب...".


على مقربة من بيته، مستودع لبيع الخضار لشقيقه الأصغر الذي تحدث عن حال أخيه: "أخي كان يشتغل معي في مخزني، وقبلها، كان يعمل بشكل جيد، وهو معلم دهان سيارات. تخلى عنه أولاده وهو في عز المرض، وفي أمس الحاجة لأن يكون أحد معه، يساعده في حياته. وهو مريض، والورم في قدميه ناجم عن السكري، وعنده ضغط دم مرتفع، ويحتاج إلى عناية دائمة. كما أجريت له عملية بروستات، وصار معه "اشتراكات" صحية، وواجه عذابات كثيرة في السنوات العشر الماضية".


استأجر البيت لشقيقه على مقربة منه لكي يهتم به قدر الامكان، والبيت من غرفة واحدة، ومدخل. منزل أقل ما يستحق القول فيه أنه ممنوع من السكن. وبالنسبة للأكل، يتولاه الشقيق الاصغر: "أتدبر أمره بما يتيسر، وقد واجهنا صعوبات لتأمين وأده طيلة شهر رمضان".


وبالنسبة لضمانه الاجتماعي، يفيد أبناء الحي أن "أبناءه يهملونه منذ سنوات، ورغم حق بعض منهم تسجيله في الضمان، لكن أحدا لا يفعل دون معرفة السبب لذلك".


وطالب عدد من جيرانه وزيري الصحة والشؤون الاجتماعية بالاهتمام به ورعايته اسوة بالعديد من الحالات المرضية والانسانية التي تحظى برعاية الوزارتين لانه ليس مقبولاً ان تتجاهل الدولة احداً من مواطنيها.


ويقول أحد الجيران: "لو أدخله أولاده إلى الضمان والى دار العجزة، لخففوا عنه الكثير من الأعباء، والضغط، ولكان هو شخصياً بحالة أفضل. هو مريض ويحتاج للعناية في كل لحظة".


شقيقه الاصغر يختم: "رجل عاش واشتغل، وفي السنوات القليلة المتبقية من عمره، لا يجوز أن يترك هكذا".


ملاحظة: تم اخفاء اسم ووجه الرجل لاعتبارات عائلية ولحمايته من ردات فعل سلبية، علماً ان الهدف من الموضوع ليس الدخول في تفاصيل مشاكل عائلية، بل دعوة المعنيين للاطلاع على حال هذا المواطن اللبناني الذي يحتاج مساعدة طبية واجتماعية كما تبيّن من معاينتنا حالته.


 


[email protected]


 


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم