الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

رسالة إلى سمير قصير

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
رسالة إلى سمير قصير
رسالة إلى سمير قصير
A+ A-

صار عمركَ هناك أحد عشر عاماً. فما أجملكَ حيث أنتَ، أيها الفتيّ كسهولٍ من قمح اللذة ووردة الشبق في نظرات امرأةٍ شقية، يا حضوراً طيّباً كمنقوشةٍ من الصعتر في أوّل الصباح، ويا غياباً مجروحاً بكؤوس النبيذ في منتصفات الليل البهيم.


كيف لا أجدكَ أمامي، ورائي، وفي نزيف الخيال، أنتَ الذي يومئ إلى قلبي فيرتجف من فكرة الضوء في عينيكَ، وأنتَ الذي يفتح عقلُه الكتبَ المغلقة ويضحك وجهُه لأحلام الرومنطيقيين والأحرار.
فما أبهاكَ، أيها الأمير الشاعر.
أيها الناصع كأوراق الشعر، اللامع كبروق الشهوة في يدين متضرّعتين، الرقيق كابتسامة طفلٍ رضع للتوّ حليب أمّه الحارّ؛ يا أنتَ الجارح كذرّيةٍ من النسور النادرة، تعال إلى ظلال شجرتكَ التي تؤمّها العصافير في الغياب. تعال الى رذاذ البحيرة الحميمة لتُجالِس فناجين القهوة ودخان السجائر المتطاير في سماء كآبتنا المستطيرة.
لكن، لا.
لقد قتلوكَ، نعم. لكننا نحن الذين قتلناك مرةً، ثمّ قتلناكَ مراراً، وكلّ يوم، ونقتلكَ إلى الآن، وسنقتلكَ غداً، وبعد غد. فلماذا نطلب منك أن تمُرّ بنا قليلاً، وهنا وهناك، لئلاّ يُترك الأمل وحيداً في مواجهة التجربة والجريمة.
لا تفعلْ يا سمير. إيّاكَ أن تمرّ بنا، بعد الآن. إيّاكَ أن تعبر في أحلام واحدٍ منا، لئلا ترشد يأسه إلى ميناء أرضنا اليباب.
لا طريق. ولا أمل. فما أفدح فصاحتي الممجوجة هذه. وما أسوأ الحقيقة الممهورة بالصدق الأرعن.
يكذبون عليكَ. ويمطرونكَ بالوعود المعسولة. فإيّاك أن تصدّق.
كلّ يوم، يهرب قبركَ خارج البلاد. أراه، قبركَ، بعينيَّ، وفي كوابيسي ورؤيايَ، هاشلاً في حريته المطلقة.
فنِعمَ حريتكَ المطلقة!
أعرف ماذا تعرف. مَن مثلكَ، لن تنطلي عليه هذه الأكذوبة.
يا سمير، يمكنكَ أن تفعل شيئاً جميلاً واحداً: الانتقام.
أرجمهم بحجارةٍ من نار. وأمطرهم بجمر اللعنة. ولا تندم.
ثمّ، انتبِهْ جيداً: اكتبْ من هناك مانيفست النعيّ الذي ليس بعده من بداية!


[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم