الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ثلاثة مقاتلين يروون عن زمن القتل: "جثثٌ في الحفرة... وقرارُ حياة أو موت"

المصدر: "النهار"
روزيت فاضل @rosettefadel
ثلاثة مقاتلين يروون عن زمن القتل: "جثثٌ في الحفرة... وقرارُ حياة أو موت"
ثلاثة مقاتلين يروون عن زمن القتل: "جثثٌ في الحفرة... وقرارُ حياة أو موت"
A+ A-

ماذا تغيّر اليوم في ذكرى 13 نيسان 1975؟ الجواب بسيط لا شيء وكل شيء... في ما خص "لا شيء"، تشير الوقائع اليومية أن المتاريس النفسية عند اللبنانيين– مع استثناءات قليلة- في رفض العيش المشترك الحقيقي في أوج مجدها. بالنسبة "إلى كل شيء"، فاللائحة قد تطول وتتمحور كلها عند غضب جيلنا، جيل الحرب، الذي دفن شبابه في الملاجىء واستمرت حياتنا على أنقاض أحلامنا المتكسرة بوطن تحكمه طبقة سياسية عاجزة.


على رغم قلة العبر والاستخلاص من الماضي، تأتي بعض المبادرات الفردية لمحاربين قدامى على غرار أسعد شفتري، زياد صعب ونسيم أسعد وسواهم لتشكل شهادة حياة عن زمن أعمى كان شعاره حمل السلاح إلى زمن توبة واعتذار عن المشاركة في الحرب الأهلية، ويأتي هذا النشاط في إطار جمعية "محاربون من أجل السلام".


 


دخل شفتري في سن الـ20 ربيعاً في تجربة الدفاع عن المجتمع المسيحي "فوق كل اعتبار" وهو يتابع دراسة الهندسة في جامعة القديس يوسف. يتمتع شفتري بسلام داخلي قلّ نظيره ولا سؤال يزعجه. أكد الرجل الثاني في مخابرات القوات اللبنانية حينها  أنه لم "أقم بأي شيء يتناقض مع اقتناعاتي، لم أكن خلالها مجرد "نفر" ينفذ الأوامر". وقال: " كنت أناقش في بعض القرارات وأنجح في تغير مسارها قبل تنفيذها...".
شفتري هو نموذج للشاب المسيحي الذي انخرط في ميليشيا من لونه الطائفي للدفاع عن منطقته المسيحية، والتي كانت مهددة "في بداية الحرب من الفلسطينيين الذين حظوا في حينها بدعم كل من الشارع السني والحكومة السورية في حرب قمع الجيش اللبناني الذي تراجع إلى الثكنات بعد وقوع اشتباكات بينه وبين الفلسطينيين". وفي رأيه، شكلت هذه الواقعة تهديداً للجيش اللبناني الذي هو محسوب على المسيحيين وأضحى بسبب الواقع عاجزاً عن حماية "لبناننا المسيحي".



عندما سألناه عما إذا كان اطلق الرصاص على أحد في الحرب، قال: "لا أبداً. لم أطلق الرصاص على أحد مباشرة. لكنني تابعت العمليات ضمن مهماتي كمسؤول في جهاز مخابرات القوات". قاطعناه سائلين: "من هم الذين تمت تصفيتهم في حينها؟، نظر إلي مستغرباً السؤال: "لن أذكر أياً منها...". بادر زياد صعب قائلاً: "نعمل على أرشفة هذه الوقائع بحذافيرها... الموضوع عم ينشغل عليه".
عما إذا علم خلال مهماته في الحرب عن أي مقبرة جماعية ومنها ما تناوله البعض في ما خص مقابر مار متر في الأشرفية، قال:"رأيت في محيط الكرنتينا أحدهم يقود "تراكتور" ويرفع مجموعة من الجثث ليضعها في حفرة ". عن معرفته عما إذا كانت الجثث تعود لفلسطينيين أو لبنانيين، أجاب:" لا أعلم..."، وانتقل إلى حديثه عن مقابر "مار متر" الأشرفية، ليقول: "علمنا في حينه أن كل جثة مشوهة وجدت في محيط الأشرفية من دون أن يطالب بها أحد، كانت توضع في جورة مشتركة داخل المقبرة...".



حلم التغيير...
انجرفَ زياد صعب "الشيوعي" ورفيقه نسيم أسعد "الشيوعي" في سن مبكرة في حمل السلاح سعياً للتغيير. نسيم أسعد، الشيعي الذي يعمل في القسم الإداري في وكالة "رويترز"، حاول التفاعل مع الحركة السياسية في حينها ولا سيما ما نادى به إتحاد الشباب الديموقراطي في وقتذاك بضرورة التغيير ودعم المشروع الفلسطيني. حمل أسعد السلاح في عمر الـ14 ربيعاً ولم يكن هدفه يوماً استهداف أي مسيحي أو درزي أو مسلم بل كان يتوق إلى تغيير النظام.
ذكرَ مراحل عاشها في تل الزعتر حيث رأى خلال حصار "تل الزعتر مقاتلين يضعون بعض الجثث في حفرة قرب بناية الشامي في حي الخروبة في تل الزعتر...". وتدرّج في صفوف الحزب وحلم التغيير يراوده وسط ظروف حياتية صعبة تحيط عائلته التي وجب عليه مساعدتها في عمر مبكر لم يتعد الـ11 ربيعاً.


استرجع نسيم يوميات عاشها خلال الحرب وأبرزها عدم التعبير عن الخوف أو الاعتراف بوجوده، وأكد أن الظروف أجبرته على كبت مشاعره. لم ينسَ أن خبر وفاته وصل لعائلته خلال حصار تل الزعتر الذي استمر بين 20 و 25 يوماً. يذكر تماماً أن عائلته تلقت واجب العزاء في حينها إلى أن عاد إليها حياً يرزق للإطمئنان عليها.



خيار الموت أو الحياة
بالنسبة إلى صعب، المسؤول عن دائرة الشباب في وزارة المهجرين، فقد حلم بالتغيير ككل شابٍ وفد من مدينة راشيا الوادي إلى العيش في بيروت وتحديداً في محيط أحزمة البؤس. قرّر صعب أن يسلك الطريق المختصر للوصول إلى التغيير من خلال إنخراطه في صفوف الحزب الشيوعي، إذ تأثر ببطولات الأجداد في مقاومة الإنتداب وهذا ما دفعه لإختيار المقاومة في سن الرابعة عشرة.


حديث صعب طويل وهو يقول بأنه تدرج بمسؤوليات عدة من 13 نيسان 1975 إلى نهاية 1990. تعود به الذاكرة إلى عودته من دورة عسكرية في الإتحاد السوفياتي في العام 1976. وقال:" عدت من قبرص إلى لبنان. اعترضتنا طرادات إسرائيلية في عرض البحر محاولة إيقافنا. إلتهمنا بعض الوثائق الخاصة ورمينا بعضها الآخر في البحر. أدركنا لاحقاً أنهم كانوا يستهدفون باخرة أمامنا ليعتقلوا نهلا الشهال. وصلت إلى صور وبعد ترجلنا إنفجرت الباخرة وعلمنا أنهم تأخروا في تفجيرها بقصد قتلنا.
توسع نضاله إلى جنوب لبنان أي ضد الإحتلال. شعر بين العام الـ1985 و 1989 أن الحرب عبثية ولا معنى لها ولا علاقة لها بالقضية. عندما سألناه عن الصعاب التي واجههته للتكيف مع الواقع الجديد بعد تسليم سلاح الأحزاب للجيش، قال:" هو قرار موت أو حياة. كنت أمضي وقتاً في الإهتمام بديكور المنزل، مقاربة الناس والواقع كان صعباً.
يرأس اليوم جمعية "محاربون من أجل السلام" وإلتقى بشفتري في العام 2005 وهو غير مقتنع باعتذاره. بعد سماعه، اجتمع الاثنان للعمل كرسولي سلام في "تجمع وحدتنا خلاصنا". يرفض كلاهما الحرب ويحتكان بالشباب لتفادي التجربة.
يقول أسعد " الحرب جعلتني أشعر بأنني مسؤول عما حصل، وبالتالي مسؤول عن نتائج هذه السلطة والحكم. أنا مسؤول عن بعض الأحقاد التي وجدت بين الناس لذا وجب عليّ ان أنشرَ رسالة سلام...".


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم