السبت - 11 أيار 2024

إعلان

جون لوكاريه: الجاسوس المثالي

المصدر: "النهار"
جون لوكاريه: الجاسوس المثالي
جون لوكاريه: الجاسوس المثالي
A+ A-

ربما لا تضطلع مؤلّفات جون لوكاريه ولوحدها بدور المدخل الى فهم تاريخ الحرب الباردة، غير أنها تشكّل وبلا ريب قسطا مؤثرا وحيويا من هذا التاريخ المتشعّب والضاج بالتطورات والصراعات العلنيّة وتلك الضمنيّة.


في أكثر من معنى تقاطع مسار الكاتب الإنكليزي الواسع الإنتشار جون لوكاريه الذاتي مع مساره المُتصوّر، والحال أن ديفيد كورنويل وهو إسمه عند الولادة الذي درس اللغات الحديثة في "جامعة أوكسفورد" قبل أن ينضم الى الإستخبارات البريطانية، سخّر تجربته الخارجة على السائد بغية أن يجعل من شذرات حياته مطيّة لخياله الموزّع في أكثر من ناحية. والحال انه لم يلبث ان ابتكر شخصية جورج سمايلي الأثيرة وسمح لأفكاره بأن تتطور على نحو لافت فتعزّز تعامله مع الحبكة وشحذ مقاربته التأليفية المركّزة فصارت مثالا يحتذى.
يضع كتاب "جون لوكاريه: السيرة" لآدم سيسمان الصادر بالإنكليزية لدى منشورات "بلومسبري" نصب عينيه مهمة سرد الكاتب الغامض والإنسان المركّب الذي لم يتردد في الإعلان أن "لا شيء مما كتبتُه حقيقي. إنه من قماشة الأحلام وليس الواقع. يتمتع الفنانون، وفق تجربتي، بقليل من العمق. يعمدون الى التزييف. لا يمثلون الأمور الفعلية".
والحال أن مهمة آدم سيسمان تمحورت في المقام الأول على إنجاز سيرة الرجل قبل سيرة الكاتب. رجل أراد أن يكون مؤلّفا إستثنائيا، في حين خشي أن يكون امتدادا لأبيه، ألم يكتب ذلك مباشرة في روايته "الجاسوس المثالي" حيث استند إلى العلاقة الملتبسة والمؤلمة مع هذا الوالد، وألم يؤكد أن الكتابة شكّلت حركة تطهر من الأوجاع الموضعيّة مدوناً "بكيتُ وبكيتُ إلى حين انتهى كل شيء".
وفق اقتناع لوكاريه، إن أولئك الذين يختبرون طفولة تعيسة هم الأفضل في اختراع حكاياتهم الذاتية. في السيرة يستبقي آدم سيسمان كلام لوكاريه في شأن امتهانه السرد كوسيلة للتستر على حيثيات الواقع "أنا كاذب. ولدت لكي أكذب، نشأتُ على ذلك وتلقيت تدريبا عليه في مجال حيث يشكل الكذب مصدر رزق، والحال اني مارست ذلك لاحقا كروائي".
بين دفّتي الكتاب رواية لحياة أحد أبرز الكتّاب البريطانيين المعاصرين، حياة على خصوصية ترحّلت صوب شيء من النزق وتجري تلاوتها في التزام لافت وإن تعرّجت بين فخاخ كثيرة، ليس أقلها النزوع صوب "اعادة الابتكار التخييلية" والإستسلام إلى فتنة "الذاكرة الغشاشة".
من طريق هذه السيرة، أخبر سيسمان الكاتب لوكاريه بعدما أزال عنه غشاء الغموض أما لوكاريه عينه فأخبر ومن خلال شخصيّة سمايلي بلاده بريطانيا كما يراها "جزيرة فقيرة مُنحت بالكاد صوتا في وسعه أن يتقدم فوق المياه".


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم