الجمعة - 10 أيار 2024

إعلان

إبقَ بين الأطهار

مروان حماده
A+ A-

في ذكراك العاشرة لن اسأل، بشكل مبتذل، من أين ابدأ. البداية معلومة.
شاب لبناني مميز، مقدام، موهوب، جريء.
قسَمٌ وطني، ميثاقي، تاريخي ، جامع.
سيارة مفخخة، غادرة، قاتلة، مفضوحة الغاية والمصدر.
كل شيء معلوم، يا جبران، ولو تباطأ التحقيق.
كل شيء مكشوف ولو توارى أصحاب" القداسة" .
أليسوا ، بالنتيجة، بيننا محفوظين، معافين. نصافحهم، نحاورهم، نشاركهم، نجالسهم في المؤسسات، نحرّر معهم بيانات، نبرىء افعالهم او، في احسن الاحوال، نتجاهلها ونخطط معهم لغدٍ يشبه "شكراً سوريا" للسيد نصرالله بقدر ما يبتعد عن "اللبنانيين مسلمين ومسيحيين" الذين اقسمت باسمهم في الرابع عشر من آذار.
سأبدأ، اذن، بالنهاية.
لا اعني طبعاً نهاية جبران لأن جبران لم يمت. انه باق بيننا. ولا اعني نهاية ثورة الارز لأن 14 آذار باقية في ضمائر المواطنين ولو غابت، في محطات كثيرة، عن اهتمام قادتها.
كما لا اعني نهاية "النهار" لان صحيفتك باقية كما تنبأ لها العنوان الذي خطّه الوالد المفجوع غسان تويني، وهو على طائرة العودة مساء الثاني عشر من كانون الاول 2005 .
كذلك لا اعني نهاية البحث عن الحقيقة والعمل على تحقيق العدالة، لأن معركة المحكمة التي بدأت ليلة استشهادك حسمت بعد سقوط كوكبة من رفاقك على دربها. ولأن القتلة معروفون، بعضهم قضى في ساحات اخرى بفعل العدالة الالهية التي "تبشّر القاتل بالقتل ولو بعد حين".
الحديث، اذن عن النهاية. النهاية التي وصلنا اليها في لبنان، في وطننا العربي وفي العالم نتيجة استباحة القتل وسيلة للهيمنة السياسية وسط اخلاق منهارة ودولة غائبة واعلام فالت.
انتهينا، يا جبران، الى ما تلمسناه مساء ذلك النهار المشؤوم الذي بدأ بالانفجار، ثم بالكشف عن جثامينكم ورفاقك الابرار ثم بالانتقال الى الجلسة السوداء في مجلس الوزراء. فبينما توزّع الحلوى في الخارج يرتَسم اللؤم على وجوه الداخل ويترجم اعتراضاً وانسحاباً.
يومها رسمت صورة اليوم . وتظهّرت وتلونت بأحمر الدماء وسواد القلوب. فتوالت مشاهد الفيلم السوري – الايراني الطويل عبر الاغتيالات الهادفة والاعتصامات المشلّة والحروب العبثية والانقلابات المتتالية، دعماً ونصرة للفتن المذهبية لمن نعتهم سمير قصير رفيقك بالشهادة "بالعسكر على مين"، وتبريراً للاصوليات البغيضة.
يومها اصبحنا شركاء من حيث ندري او لا ندري في اضفاء المصداقية على النظريات القائلة بصدام الديانات وصراع الحضارات ونهاية التاريخ. يومها ومذ ذاك ولبنان فاقد طابعه الرسولي، متنكّرٌ لمهمته الرسالية مطلقٌ لنظامه الديموقراطي المدني، مُسقط لوطنيته الميثاقية، متنكّرٌ لعروبته الحديثة. يغلّب الحقد الغرائزي على المواطنة الرحبة.
لم تكن طبعاً يا جبران أول من سقط، فقبلك شهداء وبعدك شهداء من أجل ان تنتفي عنّا هذه السحب الداكنة التي اثارتها، وتثيرها، في سماء لبنان سلبيات الفكر الشمولي وعجرفته.
نيّالك. انت، اليوم، مع رفاقك فوق هذه السحب، ربما تعجب لتعاملنا الفكري والحركي مع الاحداث في ظل علم جديد ابتدعناه هو "علم الجهل".
ماذا لو كنت بيننا؟ لكنت بالتأكيد سخرت من احتفالاتنا السنوية والموسمية التي نحيي خلالها شهداءنا لحظة لندفنهم في اللحظة التالية.
ماذا لو كنت اليوم بيننا في زمن الصمت والاذعان؟ الجواب بسيط، صريح، أكيد:
لمَا سكتّ ولمَا أفلتّ منهم.
فابقَ مكانك يا حبيبي بين الاطهار لعلّك، مع رفيق وسمير وجورج وبيار وانطوان ووليد ومحمد والوسامين، تلهموننا الى السلوك الحاسم لانقاذ لبنان.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم