الجمعة - 10 أيار 2024

إعلان

أهلا بكم في حمامات طرابلس

المصدر: "النهار"
طوني فرنجية
A+ A-

يعود تاريخ الحمامات في عاصمة الشمال طرابلس الى 2500 سنة، إذ بناها المماليك وفق الطريقة التقليدية الرومانية والبيزنطية ويتعايش فيها الواقع مع الماضي فتجاور المباني الأثرية الأبنية الحديثة في الأسواق الشعبية، التي سرعان ما كثرت في المدن الكبيرة لتصبح جزءا من الحضارة الشرقية .


ازدهرت الحمامات في عهد العثمانيين ، وهي قامت في الاصل لحاجة النظافة والطهارة طبقا للشريعة الاسلامية، بسبب قلة المياه الواصلة الى البيوت لأن شعار "النظافة من الايمان" يطبق من باب الواجب الديني العيني الذي لا يمكن التهاون به.
مرور الوقت تحولت هذه الحمامات تجمعات للسمر وتبادل الاحاديث في السهرات الليلية وأثناء النهار بعد العودة من العمل.


أوقات للنساء وأوقات للرجال


قسمت أوقات هذه الحمامات بين النساء والرجال بحيث يكون للنساء أوقات خاصة يتواجدن فيها في الحمامات وبخاصة لتجهيز العروس،إذ تدخل العروس مع الحاشية المؤلفة من الجيران والأقارب وصديقات العروس بصورة خاصة ويقضين نهارهن حتى وقت متأخر من الليل الى حين تجهز العروس بكل ما يلزم من امور النظافة.كما وخصصت أوقات خاصة للرجال في أيام أخرى.
حالياً لم يتبقَ غير حمام واحد هو حمام "العبد" الذي ما زال يستقبل النزلاء من باب التودد الى العادات القديمة وكنوع من الحفاظ على التقاليد. يحافظ هذا الحمام على بنائه الاثري الذي أكسبته الأيام لوناً جميلاً يحكي وحده تاريخ هذا الحمام ، ناهيك بعلو بنائه والثريات القديمة التي تجعل من هذا الحمام متحفا بذاته.
إن غالبية الزوار هم من أهل المدينة، إضافة الى كثير من السواح الاجانب بقصد التعرف الى الأماكن الأثرية.
لكن حمام عز الدين الذي يقع في محلة باب الحديد، يعتبر من أشهر الحمامات في طرابلس وقدأقيم على أنقاض كنيسة لاتينية قديمة، وتبلغ مساحته 745 متراً مربعاً...


هذا الحمام هو الحمام الأول الذي بناه المماليك في طرابلس وهو أكبر حماماتها وأكثرها أهمية، ويطلّ على الشارع من بوابة يعلوها عقد مع كتابة لاتينية بالأحرف الكبرى التي تعود للعصور الوسطى وعلى عتبة البوابة صورة حمل تحوط رأسه هالة، وهو الحمل الذي يضحى به في عيد الفصح، وحوله زهرتان، وفوقها نقش. الدخول من هذه البوابة يفضي الى صالة واسعة مصلّبة الشكل وفي وسطها نافورة متعددة الزوايا، وتعلو هذه الصالة قبّة فيها قمريات للإضاءة وكل هذه العناصر تميّز الغرفة المسماة (بالمشلح) حيث تخلع الثياب فيها إذ يترك الزائر ثيابه في خزانات كما يمكنه ترك (قبقابه) في كوّة صغيرة مصطفة تحت المقاعد، وبعد الحمام يرتاح على آرائك، وهذا المكان الوحيد في الحمام الذي لا تصل اليه الحرارة والبخار وتترك فيه كل الأغراض.


ومن (المشلح) يكون الدخول الى الأقسام الثلاثة: البارد، والفاتر، والساخن، التي تصل بينها ممرات فيها أنابيب لسحب البخار، والغرفة الساخنة وكانت تسخّن بأنابيب بخار حارّة جداً تمرّ في الجدران وتخرج من فتحات. ولتفادي أي خسارة بنى المماليك الجدران السميكة جداً من دون أن تكون فيها أي نافذة، أما الإضاءة فكانت تتم بواسطة قعر القناني الزجاجية الملونة، خضراء أو زرقاء وضعت في القمريات، ما يعطي سحراً مميزاً.
والحمام يحتضن ضريح الباني قرب نافذة عليها كتابة تاريخية ونقوش تمثّل شعاره.


ترميم الحمام 


كان حمام عز الدين يلفّه الإهمال منذ منتصف الثمانينات، إلى أن قامت مديرية الآثار اللبنانية منذ أعوام عدة بإعادة ترميمه، غير أنه لم يشغّل، وحول متحفاً لاستقبال الزائرين.
وحماما العبد وعز الدين كانا من أشهر الحمامات في طرابلس، إذ كانت تقام فيهما "الخلوات" وحفلات الأعراس. وكانت أعظم تلك الحفلات، حفلة "النفاس" التي كانت تقام بعد مرور أربعين يوماً على الولادة، وهو أول حمام "للوالدة" بعد الوضع، حيث يدعى إليها عدد غفير من النساء، فتقدم الفاكهة والمرطبات في جو مليء بالبهجة والطرب والرقص والغناء.


وزيادة في تكريم المدعوات، كانت توضع الترابة الحلبية ذات الرائحة الزكية وتسمى "بيلون" في صينية كبيرة، حيث تنقع بالماء وتذوب فيه، ويصفى الماء ويوضع على الرأس بعد الانتهاء من الحمام ليعطي الشعر رائحة الورود.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم