الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أمام مذبح الطّفولة

المصدر: النهار
رولا خضر
أمام مذبح الطّفولة
أمام مذبح الطّفولة
A+ A-

ارتدت قميصها الزّهري واستقلّت باص مدرستها، وصلت إلى حيث يتواجد أبناء جيلها، نثرت عطرها الطّفولي في زوايا وأزقة المكان، صعدت مع زملائها إلى الصف، أخرجت كرّاستها وانطلقت.

أثنت المعلّمة على عملها الجادّ فابتسمت كزهرة ربيع وألقت نظرات فخر ورضا على زملائها وأكملت يومها.

عادت إلى المنزل لتخبر والدتها تفاصيل يومها ولكن، على غير عادة، لم تهتم. لاحظت دموعاً تنساب على مضض من السماء الزرقاء التي تسكن عيني والدتها إلى تلال خديها ثمّ إلى الأرض.

- أمّي، ما بك؟

- لا شيء حبيبتي، اغسلي يديك ولنتناول الغداء.

وجلستا إلى المائدة....

- أمّي، أصائمة أنتي؟!

- (بابتسامة ساخرة)... كلّا لكن يبدو أنّ معدتي مضربة عن الطّعام.

أقبل والدها ففرّت والدتها إلى غرفتها ولحق بها.

لم تمنعها طفولتها من أن تنصت عمداً إلى حديثهما التي استنتجت منه أنّ والدها قرّر أن يزوّجها.

أتدري ما المضحك في هذه الحكاية؟!

المضحك أنّها تتكرّر يوميّاً على مرأى ومسمع كلّ شرقيّ.

المضحك أنّ لا أحد يحرّك ساكناً.

المضحك أنّهم يكتفون بنظرة شفقة وعبارة "الله لا يوفقو".

المضحك أنّهم يشهدون على مقتل طفلة.

المضحك أنهم يحضرون ويحضّرون لزفّ ملاكٍ إلى القبر.

المضحك عباراتهم "قدر ونصيب" و"هيدا المكتوب".

مضحكون بسذاجتهم

مضحكون بضعفهم .

و"هي" المسكينة تواجه الألم والحسرة، تواجه الذّل والتذلّل، تواجه القدر والنصيب، تواجه مجرماً قتل البراءة، تواجه سارقاً استولى على حياتها، تواجه متحرّشاً اغتصب روحها، تواجه رجلاً افتقد الرجولة، وتواجه إنساناً افتقر إلى الإنسانيّة.

و"هي" الحزينة باتت ترتاد أسواق الخضار بدلاً من متجر الألعاب، باتت تكتب طلبات المنزل بدلاً من كتابة الأدب والعلم والشّعر، باتت مكبّلة بعقد زواج لا تفقه عنه شيئاً سوى أنه حرمها الكثير.

حرمها الأمل والطموح والمستقبل

حرمها كياناً مستقلّا كادت تبنيه لنفسها

حرمها حرية كانت لتأنسها

حرمها أحلاماً كانت لتسعدها

حرمها كلّ شيء من أجل لا شيء.

من أجل أن يحنّطها بجواره ذكرٌ لُقّب برجل.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم