الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

أمّهات عاملات لبنانيات يكافحن للصمود... الانهيار عمّق الفجوة الجندرية

المصدر: "النهار"
فرح نصور
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
انعكست التحدّيات الاقتصادية من جرّاء الأزمة الراهنة، على دور الأم في المنزل كما على الأب. لكن الملاحظ أن الأم العاملة كانت الحلقة الأضعف في سلسلة إجراءات تقشفية اتخذتها مؤسّسات نتيجة الأزمة.
 
كيف انعكست التحدّيات الاقتصادية على الأم العاملة؟
"أصبح التفكير في إعالة الأولاد مسؤولية عليّ وعلى زوجي" تخبر سارة، موظفة في شركة تأمين. فهمّ تأمين الأساسيات أصبح عبئاً كبيراً في ظل الضائقة المالية. وتفيد سارة، وهي أم لثلاثة أولاد، أنّ عملها كان سابقاً يقتصر على تحقيق ذاتها وشخصيتها، لكن "الواقع الحالي فرض تغييراً على هدفي من العمل وتحوّل إلى تأمين مدخول إضافي إلى المنزل لتلبية حاجات أولادنا الأساسية من غذاء وتعليم، قدر المستطاع، ومع الأسف نحن غير قادرين ونبحث عن عمل إضافي لزيادة المردود".
 
سعي سارة إلى إيجاد عمل إضافي هو فقط كي لا تسمع من أولادها طلبات غير قادرة على تلبيتها "فالأمر صعب جداً عليّ". كذلك، تتحدّث عن الشعور بالنقص العاطفي من جهتها ومن جهتهم، فبسبب دوام عملها الطويل وبحثها عن وظيفة "إكسترا"، "الوقت مع الأولاد يتبخّر ووصلنا إلى مرحلة ليس هناك وقت لإظهار الحنان والعواطف لأولادنا، ويقتصر التعبير عن الحبّ على تبرير النقص العاطفي والتقصير تجاههم بأنّ هذا السعي كلّه هو لأجلهم".
 
وبسبب عدم تمكّنها من ترك الوظيفة، تضطرّ سارة أحياناً إلى التغيّب عن أولادها إن كانوا يشكون من أيّ مرض، "فأنا لا أستطيع إعطاءهم الوقت الكافي الذي يحتاجون إليه، حتى إن كانوا مرضى". وحتى الأولاد يسألونها: "غداً أنت ذاهبة إلى العمل؟" لشعورهم بحاجتهم إليها، "لكن لا مجال لغير ذلك".
 
ومع غلاء السلع الفاحش، إذا ما طلب أحد الأولاد من سارة كيساً من التشيبس، "أصبح بين خيار شرائه أو شراء غرض أساسي للمنزل، وهذا شعور يخنقني ويقتلني".
 
بتول، صحافية، وأمّ لولدين، تروي أنّ الصعوبات الاقتصادية تجعلني غير قادرة على البقاء في كل اللحظات مع أولادي، لكنّني أحاول التعويض عن هذا الغياب بالقول لنفسي إنّني أعمل لأجلهم ولتأمين حياة كريمة تقيهم من أن يُحرَموا من أشياء كثيرة". لكن وصلنا إلى وضع في هذا البلد، أصبحت أبسط الأشياء مهدَّدة بفقدانها وهي أشياء أساسية لا تُعدّ ترفاً.
 
"أنا كأم لديّ هاجس، كباقي الأمّهات، لإسعاد أولادي حتى عبر تأمين الكماليات لهم، لكن اليوم أصبح الأمر صعباً، إذ أجتهد وزوجي كي لا يعيشوا الحرمان، أقلّه من الأساسيات، لذلك التحدّي فعلاً صعب"، وفق تعبير بتول.
 
الأم العاملة تدفع ضريبة تجاه عائلتها
في ظل الأزمة الصعبة، "تدفع الأم العاملة ضريبة تجاه عائلتها، وأسرتها كذلك إلى حدّ ما تدفع ثمن بقاء الأم خارج المنزل أكثر من ذي قبل لتأمين مدخول إضافي"، هذا ما تؤكّده بتول. لكنّ أسرتها، سواء الأب أو الأطفال، "يتفهّمون أنّ خروجي للعمل أصبح ضرورة".
 
ماذا عن شعور الأم المنتِجة العاجزة عن تلبية طلبات أولادها. تقول بتول: "يحدث كثيراً في الأزمة الراهنة، وهو شعور صعب وقاسٍ جداً، أن يطلب منّي أولادي شيئاً ورغم أنّني منتِجة، إلّا أنّني غير قادرة على تأمينه لهم بسبب تراجع قيمة رواتبنا". لكن ما هو مهم، بحسب بتول، أنّها ربّتهم على القناعة منذ أيّام "البحبوحة"، لكن لا يمنع الأمر من أن يشعر الأولاد برغبتهم في الحصول على أشياء دائماً.
 
بتول التي تسكن في البقاع، تقصد بيروت للعمل و"أنفق معظم راتبي على تنقلاتي للعمل، وبالكاد يكفي الباقي لشراء بعض الحاجيات للعائلة". ونظراً لعملها في مكان يعود عليها براتب يكاد يكفي مصروفها وبعضاً من مصاريف عائلتها، "خصوصاً مع الغلاء الحاصل، تقريباً كلّ يوم أشعر بعجزي عن تلبية طلبات أولادي، لكن هذا الشعور السلبي والقبيح يولّد لديّ حافزاً أقوى للبحث عن فرصة عمل ومردود أفضل لتحسين معيشة عائلتي وأولادي".
 
أمّا لمياء (اسم مستعار)، موظفة في إحدى الإدارات العامّة، فلا تعرف من أين تبدأ حديثها عن معاناتها. دخلت معترك العمل منذ نشأتها، وتُوفّي زوجها قبل بضع سنوات تاركاً لها 4 أولاد. "التحدّيات كارثية، ولا سيّما مع تراجع قيمة مداخيلنا". أحياناً كثيرة تقصّر لمياء تجاه أولادها، "فالوضع صعب جداً ولم يعد بوسعي التفكير في شعور الأم وحده، واضطررت لأن أقسو وألزِم نفسي بهذا الشعور لأكفي أولادي قوتهم وتعليمهم وطبابتهم".
 
تقول لمياء إنّ "حالي ليس كباقي الأمّهات العاملات، فأنا أقوم بدور الأب والأم، في تأمين المدخول لأسرتي وفي رعايتهم". تحاول لمياء، قدر الإمكان، أن توعّي أولادها وتزيد القناعة لديهم، وتورد أنّ "عادات كثيرة استغنينا عنها، فمسؤولياتي تقتضي الآن أكثر من ذي قبل، أن أؤمّن الأساسيات".
 
أحياناً، تضطرّ لمياء لأن تستدين، "فالتحدّيات والواقع أكبر منّي ومن راتبي الذي لم يعد يساوي شيئاً". وتروي لمياء بأسى أنّ "رؤيتي لولدٍ من أولادي يطلب غرضاً ولا يسعني تأمينه، يؤلمني فعلاً، فمهما ادّعيت القوة لكن في النهاية قلبي قلب أم".
 
اقرأ أيضاً: ما هدف الحظر الجزئي لتصدير السلع الغذائية، وما انعكاساته على أسعارها محليّاً؟
 
تحديات جندرية تضاعف الأزمة الاقتصادية
 
إيجاد وظيفة يقف في أول التحديات الاقتصادية التي تقف في وجه الأم العاملة، بحسب المستشارة في قضايا المساواة بين الجنسين، عبير شبارو.
 
فلدخول الأم العاملة سوق العمل، تشرح شبارو لـ"النهار"، أنّ الأم تواجه عقبات لا تواجهها المرأة غير الأم، لأنّ الشركات تفضّل توظيف الأخيرة لاعتقاد القيّميين أنّ المرأة الأم تعطي اهتماماً أكبر لأولادها وأسرتها وليس لعملها، على عكس ما يُنظَر للرجل، "وهذا واحد من الأثمان التي تدفعها الأم العاملة".
 
وتفضّل الشركات توظيف الرجال، لا سيما الرجل الأب على الرجل الأعزب، فهي لا تنظر للأم على أنّها مُعيلة إنّما مساعِدة، فالمعيل الأول للأسرة هو الأب، بنظرهم. وحتى في الترقيات، يتم ترقية الرجال الآباء على حساب النساء الأمهات، ويحصلون على محفزات أكثر. وتظهر الأرقام أنّ معدّل الرجال الآباء في مجالس الإدارات في الشركات، هو الأعلى، والمعدل الأدنى هو للنساء الأمهات. كذلك الأمر في ما يتعلّق بدخل الرجل الأب الذي يفوق بكثير دخل الأم العاملة، وفق شبارو.
 
وبسبب تفضيل صرف التحفيزات للرجل الأب على حساب المرأة الأم، كثير من النساء في لبنان يلتزمن المنزل. ونجد أنّ عدد خريجات الجامعات أكثر من الرجال، بينما نسبة عملهنّ متدنية جداً، بحيث كانت 23 في المئة، وانخفضت بعد انفجار المرفأ وجائحة كورونا إلى 19 في المئة، و"هو رقم كارثي"، وفق تعبير شبارو.
 
وفي ظل الأزمة، الأمهات العاملات غير قادرات على تلبية متطلبات الأسرة بالمستوى نفسه كالأب، خصوصاً أصحاب الدخل المتوسط. وبسبب الفجوة في الرواتب ما بين النساء والرجال، ومع اشتداد الأزمة، عادت المرأة إلى أدوارها الأساسية في المنزل، "فهذه الأزمة أضرّت بالنساء أكثر من الرجال". كذلك، تم تسريح الأمهات العاملات لتخفيف نفقات الشركات من جراء الجائحة.
 
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم