تعتريني قشعريرة أصابع أمّي. بعد سنة على غيابها ما زلت أعيش طقوسَ أناملها. في آخر أيامها تسلّط عليها تكلّسان: تكلّس صمام قلبها وتكلّس أصابعِها. كانت بِحاجةٍ لمن يردُّ لها بعض فقرات أصابعها إلى مكانها لتعذّر التحكم بها إرادياً. كانت أصابعُ أمّي نحيفةً منَمنَمَةً والجلدُ الذي كانَ يكسوها كادَ يَكُونُ شفافاً لكثرة رقّتِه. لا أتذكّرُ أظافرَ يديها إلا مكسوةً بطلاءٍ يحاكي لونَ البشرة. لونٌ زهريٌّ فاتِحٌ أي تماماً ما كان يكفي لنظافة الأطراف وأناقة الأمومة.كانت أصابعُ أمّي تغنّجُ نومي. لم أعد أذكر الأغاني التي كانت ترافقُ رحلة أصابعها السياحية في شَعري وأنا طفلٌ، لكنها كانت أغاني تشعرُني بمزيج من الأمان والسعادة. ردّيَة "لادبَحلو طير الحمام" كانت على الأرجح إحداها. لا يمكنُ للإنسانِ أن يدنو من السعادة بشكلها العذري إلا وهوَ بينَ أصابعِ أمه. كأنما أنبتَ اللهُ لكَ شَعرًا ليمتّعه بأصابعِ أمّك. وظيفتُه أن...

ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟
تسجيل الدخول