الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

من يكتب التاريخ؟

المصدر: النهار
عمار الحيدري
من يكتب التاريخ؟
من يكتب التاريخ؟
A+ A-

إذا لم تتساءل يوماً، عزيزي القارئ، عن كيفية كتابة التاريخ، فلعل الوقت مناسبٌ الآن لذلك. فلنحاول التساؤل حوله معاً. لو أردتَ تأريخ قريتك أو مدينتك، كيف ستباشر ذلك؟ ستبدأ البحث بالطبع عن المواد التاريخية التي كتبت عن منطقتك.

لكن هناك مشكلتين رئيسيتين: الأولى، قد لا تكون هناك مصادر تاريخية متعلقة بما ترغب الكتابة عنه،

والثانية، إذا وجدتَ الكثير من المصادر، ما الحاجة لتأريخ جديد؟ الإجابة عن المشكلة الثانية أمر سهل: قد يكون لديك هاجس شخصي تود البحث عن إجابة عنه ومن ثم مشاركة الآخرين جوابك.

لربما تود تأريخ مجتمعك قبل هيمنة التكنولوجيا وبعدها، وهو موضوع يهمك لأنك عايشت الفترتين.

من الصعوبة بمكان وضع تعريفٍ شامل. ولذا، لا مناص من استعراض تعاريف وصفية مختلفة لعلنا نقاربه من زوايا مختلفة. يستفتح هيرودوتوس أقدم كتب التاريخ المتوافرة قائلًا إن بحثه هذا توثيقٌ كي لا “تتلاشى الأحداث البشرية بفعل الزمن".

أي أن تأريخه مرتبط بتدوين ما جرى لكي تستفيد منه الأجيال القادمة.

يمكن القول إن التاريخ هنا مرادف للماضي. يقدم إبن خلدون مفهوماً آخر. فالتاريخ بالنسبة إليه فنٌّ ظاهره أخبار الأيام والدول وباطنه علم بكيفيات الوقائع. (مقدمة ابن خلدون، ص 9-10).

وهنا يتوقف التأريخ ليستريح... أو بمعنى أدق، هنا يتوقف التأريخ عند أقلام من كتبوه وكيف كتبوه، وما كتبوا منه،

فالتأريخ مرتبط بشخصيات أكثر مما هو مرتبط بحقباتٍ وأزمنة.

فقد تعرض التأريخ لأكبر عملية تزوير على مدار حقباتٍ شاسعة على أيدي من كانت لهم السطوة عليه في أزمنتهم وخاصة المنتصرين منهم ليدوّنوا ما شاؤوا منه لا كما هو الواقع أو كما هي الحقائق.

لذلك تحتل عبارة "التاريخ يكتبه المنتصرون" مركزاً متقدماً على قائمة الكليشيهات الدارجة في أوساطنا الثقافية.

لا شك أن المنافسة محتدمة بينها والكليشيهات الأخرى،

كـ "الغرب عقلاني والشرق أسطوري"،

أو "الموسيقى لا تقتل أحداً"،

أو حتى رفيقتها التاريخية الأخرى "التاريخ يعيد نفسه".

تبدو العبارة واضحة ومباشرة؛ ليس التاريخ سوى ما يسطّره المنتصرون، ما يدوّنه المهيمنون، ما تريده السلطة. لا سبيل للحقيقة وسط كل هذا التزوير والتحريف، بل إن معرفة ما حدث بالفعل أمرٌ محجوب عنا، وليس لنا إلا تجاوز هذا التاريخ وتركه وراءنا.

وأكبر مثال ودليل على سرقة التاريخ وتزييفه لمصالح المهيمنين (رغم تطور التكنولوجيا وسرعة انتشار الخبر والمعلومات من خلال الشبكات العالمية أو عبر مواقع التواصل الإجتماعي) هو ما يحصل في عصرنا الحالي مع تفشي فيروس كورونا (كوفيد ١٩ / covid 19) والتعتيم المتعمد من قبل الحكومات والسلطات عن تقديم الأرقام الدقيقة والوقائع الحقيقية لكيفية نشوء هذا الفيروس ومن يقف خلفه وما هي أهدافه، وكذلك التعمد الفاضح لإخفاء نتائج سرعة انتشار هذا الوباء على مستوى مخيف حول العالم وشلّ الحياة المعيشية والحالة الإقتصادية لمعظم دول العالم (تُطرح علامات استفهام كثيرة) وهذا إن دل على شيء فهو حتماً يدل على أنها أكبر جريمة ترتكب بعصرنا الحديث بحق البشرية جمعاء وبحق التأريخ المعاصر.

إن أحد أبعاد التاريخ الرئيسية هو أنه محاولة لفهم الحاضر عبر فهم الماضي، إنه محاولة لإثبات أن ما نأخذه اليوم كمسلّمة كان غير موجود نهائيًا في ما سبق.

لا يمكن فهم التاريخانية فعلًا دون امتلاك مخيلة تاريخية. أحد أسس هذه المخيلة إدراك أن التاريخ "يكتبه" الجميع، سواء كانوا واعين بذلك أم لا.

وفي الختام أتساءل: هل يمكن كتابة ما لم نفهمه؟


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم