السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

البيان الوزاري: رؤية متكاملة ولكن فضفاضة

د. أيمن عمر – باحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية
البيان الوزاري: رؤية متكاملة ولكن فضفاضة
البيان الوزاري: رؤية متكاملة ولكن فضفاضة
A+ A-

لأول مرة في تاريخ البيانات الوزارية، يقدّم البيان الوزاري لـ "حكومة في مواجهة التحديّات" العتيدة رؤية متكاملة وواضحة وشاملة، وهي محددة المعالم والتوقيت. وتتماهى كثير من بنود هذا البيان مع الخطوط العريضة لمطالب ثورة 17 تشرين. ولكن هذا البيان بمجمله هو فضفاض وعام، يصلح لأن يكون مقرراً دراسياً أكثر منه خططاً عملانية تتناسب مع الأزمة الراهنة وأسبابها وخصوصية البيئة اللبنانية. وتبدو واضحة البصمات الأكاديمية لواضعي هذا البيان. لذلك كان الأولى عدم الاستفاضة النظرية والإنشائية، واقتصاره على بنود محددة جداً التي تعالج المشاكل وتلامس حاجات الناس الأساسية، والمتماهية مع متطلبات الثورة التي انبثقت منها هذه الحكومة، فلولا الثورة لما شاهدنا بالأساس هذا النمط من الحكومات. وقد تضمن البيان خططاً أفلاطونية صعبة التحقيق في ظل غياب التضامن الوطني واشتداد الصراع في المنطقة. وفي الغوص ببعض تفاصيله، نجد ما يلي:

- في البند المتعلق بلبّ ومحور الأزمة الحالية وهو الأزمة النقدية والمصرفية، وبالرغم من تأكيد البيان على "استعمال الآليات المناسبة والضرورية في سبيل حماية أموال المودعين والمحافظة على سلامة النقد"، إلا أنه لفتني ورود عبارة "تنظيم سحوبات العملاء وتأمين التحويلات المالية للمرضى والطلاب اللبنانيين في الخارج". وهذا يعتبر تشريعاً وقوننة لـ "الكابيتال كونترول" الواقع بالممارسة الفعلية وإقرار للإجراءات الحالية المتبعة من المصارف، وهذا بحد ذاته يُكرّس حالة اللا ثقة القائمة بالقطاع المصرفي. وإن المحافظة على سلامة النقد هو هدف عام فضفاض لا بد من ذكر الآلية المناسبة لتحقيق ذلك لبثّ وإعادة الثقة إلى الشعب اللبناني كما ذكر البيان في مقدمته.

- في البند المتعلق بضبط الدين العام وخدمته، ركّز البيان على خفض خدمة الدين عبر تخفيض معدلات الفوائد، واعتبر الحل لخفض الدين العام مشاريع شراكة بين القطاعين العام والخاص. وكأن نفس العقلية في معالجة هذا الملف ما زالت سائدة وهي الابتعاد عن طرح موضوع هيكلة الدين العام وهو الإجراء الوحيد الفعّال في مثل الحالة اللبنانية، والذي دعت إليه مؤسسات دولية عدة منها صندوق النقد الدولي، والتهرّب من تحميل القطاع المصرفي عبء تخفيض الدين العام. والمستغرب أن البيان لم يتضمن لا من قريب ولا من بعيد موضوع الالتزامات المالية الداهمة على الأبواب في آذار ونيسان وحزيران والتي تقارب الـ 2.5 ملياري دولار، وما إذا ستُدفع من احتياطي المصرف المركزي؟ وهل لدى المصرف فعلياً هذا الاحتياطي أم هي أموال المودعين؟ أو سيُعمل على إعادة جدولة لهذه الاستحقاقات؟

- إن أنواعاً كهذه من البيانات يحتاج إلى شبكة أمان سياسي ووفاق وطني لتنفيذ بنوده ومندرجاته، وإلى فترة زمنية طويلة من الصعب توافرها في ظل ما يحدث من انقسامات داخلية واشتداد الصراع في المنطقة. وإذ تشير العديد من المؤشرات أن هذه الحكومة لن تعمر طويلاً.

- إن الحلّ العملاني للأزمنة الراهنة يبدأ عبر تكوين سلطة جديدة سبيلها هو إجراء انتخابات في أقرب فرصة ممكنة، لذلك لا بد من قانون انتخابي جديد غير طائفي ويعكس التمثيل الحقيقي لمزاج الناس وطموحاتها وبخاصة بعد 17 تشرين. الأمر الذي أغفله البيان الوزاري بل على العكس من ذلك دعا البيان إلى إدخال تعديلات وإصلاحات على قانون الانتخابات الحالي فحسب، ولم يرد على ذكر إجراء انتخابات مبكرة.

لا يمكننا إنكار أن ثمة بنوداً وأهدافاً عدة في هذا البيان جديرة بالذكر، ولكن العبرة في التطبيق. فهل تسمح الدولة العميقة وحكومة الظل الحقيقية في فقدان هيمنتها وسطوتها، بل وفي محاسبتها ومكافحة الفساد، وفي استعادة الأموال التي نهبتها لعقود من الزمن؟؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم