السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الحرب بِالمنظور الِاقتصادي

المصدر: النهار
سائد حامد أبو عيطة
الحرب بِالمنظور الِاقتصادي
الحرب بِالمنظور الِاقتصادي
A+ A-

غالِباً ما تُعبر السِّياسة عن المَصالح الاِقتصاديَّة، وإنَّ الأعمال العسكريَّة التي ترتقي إلى مُستوى الحرب؛ تهدف تلقائيّاً لِتحقيق تِلك المَصلحة الاِقتصاديَّة، فالعلاقة وثيقة بين كلٍ من الاِقتصاد والسِّياسة والحرب، والأهم هو تحقيق المَصالح الاِقتصاديَّة لِمُختلف القُوى العالميَّة.

إنَّ خَلق النِّزاعات المُسلحة واِفتِعالِها وتغذِيتها تُعتبر من إحدى أهم الأدوات التي تستخدمها القُوى الرَّأسماليَّة العالميَّة، لإيجاد أسواق خارجية لِتصريف مُنتجاتها من جهة، والحصول على المواد الأوليَّة بأسعار رخيصة، وعلى طلبات لِصناعاتها الحربية أو طلبات لإعادة الإعمار بعد اِنتهاء الحرب من جهة ثانية.

ومن هُنا يُمكن فَهَم ما يجري في الشَّرق الأوسط من نزاعات مُسلحة بين القُوى الاِقليميَّة والعالميَّة، وكذلِك القُوى المحليَّة المُتصارعة على السلطة.

إنًّ حالة الصِراع التي وصلت لِمُستوى الصِدامات المُسلحة بين كلٍ من الولايات المُتحدة الأميركية كقوة عالميَّة وإيران كقوة إقليميَّة، تُشكل المحور الأساسيِّ الذي تنطلق منه كافة الصِراعات والنِّزاعات المُسلحة القائمة في الشَّرق الأوسط.

قد لا يسعى الطرفان لِخوض حرب مفتُوحة؛ لأن الجميع يُدرِك مدى أهميَّة الحِفاظ على المَصالح الاِقتصاديَّة والحِفاظ على التَّوازن بين القُوى المُتصارعة في المنطقة العربية، ولكنَّ خروج أحد طرفيِّ الصِراع عن قواعد اللعبة السَّياسيَّة بسبب سوء التَّقدير؛ قد يُنذر بِنشُوب حربٍ مُحتملةٍ، كنتيجة لِزيادة حِدة الصِدام العسكريِّ، وهو ما يُمكن تَفسِيرَهُ بتجاوز الخطوط الحمر.


منطق الاِقتصاد قد يَحسمُ أي حربٍ مُحتملةً

عند الحديث عن التَّأثير السلبيِّ على الاِقتصاد العالميِّ الناجم عن الأعمال العسكرية أو الحروب في مناطق الصِراع والنِّزاع المُسلح في العالم، نلحظ التدرج في التأثير السلبيِّ على اِقتصاديات مُعظم الدول، سواء كانت طرفاً مُباشراً في الصِراع والنِّزاع المُسلح القائم أو لم تُكن طرفاً فيه، فتبدأُ الآثار السَّلبيَّة على الاِقتصاد بالدول ذات الاِقتصاديات غير مُستقرَّة، لِتسقط أولاً كخاسر مؤكد في أي حربٍ مُحتملة، وفي حال تطبيق تِلك القاعدة على حالة التَّوتُّر والاِضطراب السياسيِّ والعسكريِّ الواقع في مناطق النِّزاع والصِراع في الشرق الأوسط، والمُتمثِّلة مُؤخَّراً بِالمواجهة العسكريَّة بين إيران والولايات المُتحدة الأميركية، قد نَصل لِحقيقة مُؤكَّدة وهي أنَّ الأثر الاِقتصادي السلبيِّ سوف يعود على الاِقتصاد العربيِّ بالدرجة الأولى نظراً لعدم الاِستقرار السياسيِّ والاِقتصاديِّ لِمُعظم الدول العربية، ومن ثم على الاِقتصاد الإيرانيِّ نظراً لفرض الحصار والعقوبات الاِقتصادية، وأخيراً على الاِقتصاد العالميِّ.

أنَّ القوة الاِقتصادية هي المُحرِّك الرَّئيسيِّ لِلقوة السِّياسيَّة والعسكريَّة، والاِنهيار الاِقتصاديِّ هو هزيمة بحدِّ ذاته، ويتبعه اِنهيار سياسيِّ وعسكريِّ، فقد أثبتت التَّجربة التَّاريخيَّة هزيمة الألمان في الحرب العالميَّة الثانية؛ بسبب الحصار الذي فرضه الحلفاء على الألمان بين الأعوام 1939م - 1945م، والذي شاركت فيه الولايات المُتحدة الأميركية.

كإحدى أهم قواعد اِقتصاد الحرب لا بدّ من المعرفة بأن اِرتفاع مُعدَّلات الاِنفاق العسكريِّ في الدولة وقت الحرب يصل إلى الضِّعِف عن وقت السِّلم، وهو ما يُشكِّل عبئاً على الاِقتصاد الوطنيِّ، ومن الطبيعيِّ أنّ تحتاج الدول لاِقتصاد قوي يستطيع تغطية تِلك النَّفقات العسكريَّة، ما يضمن سير العمليات العسكريَّة ونجاحها.

بالمنظور الاِقتصادي نجد أنّ الاِقتصاد الإيرانيِّ يواجه أزمة اِقتصاديَّة حقيقية نتيجة الحصار، وقد يواجه مزيداً من الأعباء والخسائر الاِقتصاديَّة، بسبب زيادة حجم النَّفقات العسكريَّة وقت الحرب فضلاً عن وقت السِّلم، في المُقابل يستطيع الاقتصاد الأميركيِّ تحمُل تلِك الأعباء والخسائر الاِقتصاديَّة والنَّفقات العسكريَّة، وذلِك من خِلال مخزون النفط الاِحتياطيِّ، الذي يمنحه مقومات الاِستمرار والصُّمود في أي حرب قادمة، فالولايات المُتحدة الأميركية تملِك أكبر مخزون اِستراتيجيِّ لِلنفط والأضخم عالمياً، والذي لم يتم اِستخدامه إلا في ثلاث حالات سابقة، منها حرب الخليج في العام 1991م، ويرتبط فتح ذلِك المخزون بأمر مُباشر من رئيس الولايات المُتحدة الأميركية، كذلِك تملِك مخزوناً من الغاز الطبيعيِّ، والفحم، والذهب، واليورانيوم، وتتصدَّر القائمة الاِقتصاديَّة العالميَّة بناتج محليِّ يبلغ 20.4 تريليون دولار، وفقاً لِتقديرات البنك الدوليِّ لِلعام 2019م، تلِيها الصين، واليابان، في حين لا تُذكر إيران على الخارطة الاِقتصاديَّة العالمية بسبب العقوبات الاِقتصادية، وفي المُقابل تُعتبر السعودية الدولة العربية الوحيدة المذكورة من بين أكبر عشرين اِقتصاد على الكوكب، وهي الحلِيف الاِستراتيجيِّ الأول للأميركيِّين، والعدو الرئيسي لإيران في المنطقة العربية.

رغم أنِّ الولايات المُتحدة الأميركية تتصدَّر قائمة المُنتجين لِلنفط، إلا أنها في المُقابل تُعتبر الأكثر اِستهلاكاً في العالم، وهو ما يمنحُها اِقتصاداً قوياً لا يُمكن الاِستهانة به، قد يرى البعض أنَّ حجم الاِستهلاك الأميركيِّ لِلنفط، سوف يؤثر على الولايات المُتحدة الأميركية كنتيجة مُتوقعة لاِستخدام المخزون النفطيِّ الاِحتياطيِّ، في حال دخولها أي حرب مُحتملة مُستقبلاً، إلا أنَّ مثل ذلِك القول لن يُؤثر على مُجريات المعارك، وذلِك نظراً لِلتَّناغم في العلاقات الاِقتصاديَّة مع الحلِيف السعوديِّ الاِستراتيجيِّ، الذي يملِك بِدوره مخزوناً نفطيًّا يكفي لمُدَّة 68 عاماً، وهي الأقل اِستهلاكاً، وهو ما قد يَدعَم أي عجز أميركيِّ مُتوقع.

بِمنطق العقل نَستطيع قياس مدى قُدرة الدول عسكرياً، ومدى قُدرتها على الصُّمود في الحروب، من خِلال المنظُور الاِقتصاديِّ وليس السياسيِّ، والعسكريِّ فقط.

أمام قليل من المُعطيات والحقائق الاِقتصاديَّة، يُمكن القول إن مُغامرات إيران العسكريَّة، سوف تنعكس على الاِقتصاد العربيِّ والإيرانيِّ بشكلٍ سلبيِّ، أكثر مِمّا قد تنعكس على الاِقتصاد الأميركيِّ، وهو ما يَسمح للولايات المُتحدة الأميركية بالتَّفوُّق عسكرياً، وسياسياً، ولا يُمكن لأي طرف من أطراف الصِراع القائم في الشَّرق الأوسط أن يتجاهل ذلِك.

مَنطِق القوة الاِقتصاديَّة أولاً، ثم السِّياسيَّة، ثم العسكريَّة، بهذا المفهوم البسيط في ظاهره، يُمكن معرفة مدى الأهميَّة الاِقتصاديَّة، والتَّفوُّق الاِقتصاديِّ في أي مواجهة بين أطراف النِّزاع والصِراع في أي بقعة من هذا العالم.

يُمكننا القول الآن إنَّ المُفاوضات حول الملف النَّوويِّ الإيرانيِّ، والتَّفاهُمات حول تبادل المَصالح الاِقتصاديَّة مع الولايات المُتحدة الأميركية ودول المنطقة، هي الطَّريق الأنسب لِكلٍ من طهران ودول المنطقة، ولِجميع الأطراف.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم