حان الوقت لينتفض طائر الفينيق من الرماد، الطائر التي يتمثّل بشعب لبنان المقيم والمغترب. نحن بتوحدنا وعزمنا أكبر بكثير من أزمات هذا البلد وسلطة المافيات الطائفية والاقطاعية وثقافة الوراثة العائلية. القومية اللبنانية هي واقع موجود وروح صلبة تجمعنا أينما كنا على أرض البشر. نعم، لبنان بلد مميز وحالة خاصة وهوية وثقافة وتاريخ، والأهم لبنان وطن كامل مستقل نهائي أبدي لجميع أبنائه.
رغم كل ما يحصل، لم تؤثر أزمات البلد على حبنا للحياة، وقد زادت عظمتنا مع السنين .نحن الشعب الخلاق، نحن الذين لا نسمح لأي ظرف بأن يقف عائقاً بيننا وبين طموحنا. نحن الذين ركبنا شراع الموج منذ فجر التاريخ، وجلنا أصقاع الأرض، نهرب من أزمات بلدنا ومحيطنا لنصنع الحياة. نحن الذين بجرأة وشجاعة هاجرنا ولا نزال نهاجر، نقيم في كل مكان وطئت فيه أرجلنا صومعة أمل، ونصنع من كل انكسار وصعوبة قصة نجاح.
نحن شعب لبنان العظيم، منتشرون اليوم في كل مكان، بنينا من خلال انفتاحنا جسور تواصل مع كل مجتمعات هذه المسكونة. شجعان، أقوياء، متفائلون، قادرون على التواصل الحضاري مع الغرب والشرق .نحن الذين لم ينسوا وطنهم ولن ينسوا وطنهم، يحملونه في قلوبهم أينما حطت رحالهم، ويحلمون بالعودة مهما علا شأنهم. هؤلاء الذين يتكلمون عن وطنهم بفخر، يشرحون لكل من يلتقون بهم عن تاريخهم وحقيقتهم، ويثبتون بالفعل لا بالقول أخلاق حضارتهم وتميز تقاليدهم.
فلماذا تتركون هذا البلد يعاني؟ الجواب بسيط، إنه غياب الثقة بالطبقة الحاكمة التي استثمرت أموال الشعب ومدخراته في كل مناسبة، وأدارته دائماً ليعود مزراب هنا ونهر هناك إلى جيوبها.
الحالة مختلفة اليوم، فالشارع قوي والشارع جاهز للمحاسبة، إن الطبقة السياسية التي أنتجتها الحرب الأهلية من زعمائها باتت غير مقبولة من قبل الأجيال الجديدة فكرياً. هذه الطبقة تنازع اليوم للبقاء على قيد الحياة وسلاحها الوحيد ليس إنجازاتها أبداً، سلاحها هو إثارة النعرات الطائفية. إنها اللعبة القديمة ذاتها التي لم تعد مقبولة في هذا الزمن. لو حصل اليوم ما حصل في بلد ديكتاتوري لكان النظام هوى، لكن واقع الوجوه المتعددة التي تتحكم بالسلطة جعل من هذا النظام غير مركزي وغير مرتبط بوجه واحد قابل للمحاسبة. فالكل يختبئ خلف شعارات محاسبة الفساد وكأنهم جميعاً يحاربون طواحين الهواء في رواية دون كيشوت الشهيرة. حين يصرخ الشعب ويقول "كلن يعني كلن" فهو محق، كلهم ساهموا وشاركوا في هذه المسرحية التي حولت أموال الناس من البنوك إلى جيوب المافيات. من لم يشارك في السرقة شارك في التستر واستمر في المسايرة، باختصار إنها اللعبة الواحدة.
كيف تسمح لهم ضمائرهم أن يبقوا البلد من دون حكومة لكل هذا الوقت وهو في أصعب مرحلة اقتصادية في تاريخه؟ دليل إضافي واضح على عدم امتلاك أهل الحكم أدنى المؤهلات التي تخولهم رعاية شؤون الناس والبلد وغياب المسؤولية والحسّ الوطني. حين يأتي السقوط المدوي لن يكون هناك من مناصر لهذا الحزب أو ذاك ناج من السقوط، لن يكون منا من هم بكرامة، ومن هم من دون كرامة، لن يكون من هم على حق، ومن هم على غير حق. حين يأتي السقوط المدوي، سيكون هناك فقراء يدفعون الثمن ويعانون على اختلافهم من الجوع والألم والذلّ، ومسؤولون سبّبوا الكارثة، وهم لن يعانوا لأن أموالهم مكدسة في الخارج، وطائراتهم جاهزة لأخذهم أينما يريدون.
إن إدارة البلد على قاعدة التوافق والتراضي لم تثمر إلا كوارث وفساداً، ولم تأتِ سوى بأزلام زعماء الحرب الأهلية ليبنوا سياسات مناطقية قصيرة البصيرة تقوم على تأمين خدمات بطريقة فاسدة وغير عادلة. خدمات معظمها أصلاً يقع تحت خانة الحقوق الأساسية للمواطن.
لا يزال يثبت نظامنا فشله الكبير في الإصلاح وتحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، وكل تلك الحجج التي نسمعها من هنا وهناك، وتراشق الاتهامات، لا تنفع ولا تبرر لأي طرف إخفاقه وتهربه من المسؤولية عن الكارثة التي تحصل اليوم. ليس صعباً أن يدار البلد بطريقة علمية عصرية من قبل جيل مثقف ذي خبرة عملية في مختلف المجالات. ليس صعباً من حيث المبدأ في عالم مثالي أن نخلع عن أكتافنا العبق التاريخي للخلافات الكونية التي لا تجدي والتي كانت سبب كل حروبنا ووعكاتنا السياسية. على هذه الطبقة ان تتنازل وترحل وتختفي ليرحمها التاريخ ويقلل من العار الذي سيصفها به يوم تُكتب الحقائق وتحكم محكمة الزمان.
علينا جميعنا أن نتحمل مسؤولية إنقاذ البلد، كل بحسب قدرته، لأن لبنان يستحق أن يبقى، وشعب لبنان يستحق الحياة الكريمة، والوطن يمتلك كل مقومات الازدهار.
نبض