تحوّل وسط بيروت إلى ساحة حرب، ليل السبت والأحد الماضي، بعد دخول مجموعة من المندسين بين المتظاهرين السلميين، ورمي المفرقعات والحجارة وزجاجات المياه على شرطة مجلس النواب والقوى الأمنية وقوّة مكافحة الشغب، ما دفعها إلى الردّ على المتظاهرين مستعملة القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه، حيث سقط عشرات الجرحى من الطرفين قبل أن تتمكن القوى الأمنية والجيش اللبناني من ضبط الوضع.
المواجهات الحادة التي حصلت دفعت المتظاهرين إلى اتهام القوى الأمنية بالإفراط في استخدام العنف، في حين أكدت وزيرة الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الاعمال ريا الحسن، في بيان، أنها "طلبت من قيادة قوى الأمن الداخلي إجراء تحقيق سريع وشفاف لتحديد المسؤولين عما جرى والمسؤوليات ليبنى على الشيء مقتضاه"، وأضافت: "أدعو المتظاهرين إلى التنبه من وجود جهات تحاول استغلال احتجاجاتهم المحقة أو التصدي لها بهدف الوصول إلى صدام بينهم وبين القوى الأمنية التي تعمل على حمايتهم وحماية حقهم في التظاهر، من أجل أهداف سياسية".
اعتداء شرطة المجلس
"الإعتداءات التي حصلت يوم السبت الماضي من قبل شرطة مجلس النواب والأزلام المرتدين القمصان السوداء، وتعامل القوى الأمنية بعنف مع المتظاهرين العزل بدلاً من ردع المعتدين، ردّ عليها المنتفضون مساء أمس بتظاهرة على مقربة من مجلس النواب، جمعت أكثر من عشرين ألف شخص عبّروا عن رفضهم لجماعة السلطة "القابعين على الكراسي منذ ثلاثة عقود"، بحسب ما قاله العميد المتقاعد خليل الحلو، قبل أن يضيف: "لم يرقْ التعبير السلمي للأزلام الذين اندسوا بين صفوف المتظاهرين منذ الساعة السادسة مساءً وبدأوا يستعدون للتخريب، كما انتشروا في الزواريب المحيطة بالمكان، منتظرين ساعة الصفر".
تحية للقوى الأمنية والجيش
العميد حلو شرح: "خلال التظاهرة عبـّرت الانتفاضة عن رفضها تسمية رئيس وزراء من الطبقة السياسية الحالية وأصرّت على مطلبها القاضي بتأليف حكومة من خارج هذه الطبقة، قدم اللواء عماد عثمان إلى ساحة الشهداء وصرّح أن القوى الأمنية للجميع، وأعطى توجيهاته مشكوراً لحماية المتظاهرين والمباني الحكومية. حوالي الساعة العاشرة والنصف بدأ هجوم جماعة حركة أمل على المتظاهرين، وبدأت الاشتباكات وتم إحراق خيمتين في ساحة الشهداء إحداهما هي خيمة - مطبخ تطعم الفقراء، ويقال إن أحد المتظاهرين تلقى رصاصة في فخذه من مسدس أحد عناصر شرطة المجلس الذين كانوا يساندون جماعة حركة أمل"، وأضاف: "هذا هو الهجوم الرابع عشر على مخيم الانتفاضة في بيروت خلال شهرين، أي أن مخيم ساحة الشهداء يتعرض لهجوم كل أربعة أيام، والناس ما زالوا يتظاهرون رفضاً لهذه الممارسات ولهيمنة الأحزاب المسلحة على مفاصل الدولة وتصرفاتها الميليشياوية"، لافتاً إلى أنه "أدت الاشتباكات للمرة الأولى لسقوط جرحى من الطرف الذي يهاجم، إصابات بالعصي والحجارة طبعاً، كما سقط جرحى بين المنتفضين، واحد منهم بالرصاص، وقد عبـّر المنتفضون للمرة الأولى أن السلمية لا تنفع مع القمصان السوداء، وأن هؤلاء يجب أن يتم ردعهم بالمثل"، وختم: "القوى الأمنية والجيش قاموا بواجباتهم مشكورين ونوجه لهم التحية كما في السابق".
تقصير من الطرفين
"قوى الأمن والجيش يختلفان إلى حد ما في طريقة المحافظة على الأمن ومواجهة المعارضين للسلطة، فالجيش حمل سيف الدفاع عن مؤسسات الوطن وليس هراوة لقمع معارضي السلطة والدفاع عن السلطة، وهذا خلال تاريخ لبنان"، بحسب ما قاله العميد الركن المتقاعد هشام جابر لـ"النهار"، قبل أن يضيف: "القوى الأمنية متواجدة في الشارع أكثر من الجيش الذي يساندها في الحفاظ على الامن بحسب مرسوم صادر".
ولفت جابر إلى أن "القوى الأمنية من الشعب، والبعض من ضباطها المتشددين، يحمّسون العناصر لاستعمال العنف ضد المتظاهرين، في حين أن هذه الانتفاضة سلمية منذ انطلاقتها، وما حصل يوم السبت واضح للعيان واعترفت به وزارة الداخلية بوجود مندسين، ونحن نبهنا منه منذ الاسبوع الاول للانتفاضة، حيث اعتدوا على المتظاهرين والقوى الامنية ما أدى الى الاشتباك، كما شاهدنا الإفراط في القوة من قبل القوى الأمنية"، قال جابر قبل أن يتساءل: "كيف الى الآن لم تكتشف وزارة الداخلية من هم المندسون ومن أين أتوا؟ كل اللبنانيين باتوا يعرفونهم، وأنا أقول على القوى الامنية منع دخول اي مندس، ويفترض على المتظاهرين ان يكونوا منتبهين لأي شخص يدعو للعنف والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة لكي يتم تسليمه الى العناصر الامنية، وباختصار، يوجد تقصير من القوى الامنية التي لم تفرّق بين المندسين والمتظاهرين، ومن قبل المتظاهرين الذين لم يتيقظوا للمخربين الذين تمت مشاهدتهم من المكان الذي قدموا منه".
تقصير لا اعتداء
من جانبه، اعتبر العميد المتقاعد جورج نادر أن "هناك مندسين يتبعون السلطة من أجل تخريب الثورة لأن هناك قراراً بإجهاضها، يعتدون على القوى الامنية التي تُستفز الى حد يفوق قدرتها على ضبط النفس ما يؤدي الى استعمال العنف ضد المتظاهرين"، بحسب نادر، وأضاف: "من مسؤولية قوى الامن ووزارة الداخلية من خلال عناصرها الاستخباراتية معرفة هوية المندسين، وإذا كانوا يعلمونهم من دون أن يحركوا ساكناً هنا تكون المصيبة أكبر، مع العلم أننا نعرف بعض المندسين بالاسماء"، لافتاً الى أن "حرس مجلس النواب الذين يتلقون أوامرهم من الرئيس نبيه بري فقط، هم من استعملوا العنف يوم السبت الماضي ضد المتظاهرين، وليس لهم علاقة بالقوى الامنية، وهي مجموعة منضبطة لها قيادة عسكرية واحدة وقيادة إدارية تتمثل بوزارة الداخلية ولا تتصرف بالتأكيد هكذا، نعم، كانوا مقصّرين في حالات معينة لكن ليس معتدين". وعن استعمال القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه، علّق: "أمر طبيعي تلجأ إليه القوى الامنية عند تنفيذ القرار بتفريق المتظاهرين وهو اسلوب متبع في كل دول العالم، لكن ما نرفضه هو الضرب والاعتداء الذي حصل من قبل شرطة المجلس".
نبض