الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل يتجه لبنان إلى الانهيار المالي فعلاً؟

المصدر: النهار
د. عصام عطالله
هل يتجه لبنان إلى الانهيار المالي فعلاً؟
هل يتجه لبنان إلى الانهيار المالي فعلاً؟
A+ A-

مما لا شكّ فيه بأن القطاع المصرفي والنقدي في حالة استنفار كبرى، وبالرغم من كل التطمينات تبقى الثقة العامل الأهم للاستقرار في البلاد. وفي ظل حالة الانكار عند السلطة، إرادياً أكانت أم لا، تبقى البلاد راوح مكانك بين المطالبة بأبسط الحقوق للمواطنين التي سُلبت منهم على مرّ السنوات جرّاء الفساد وتكابر من بالسلطة على من أخذوا أو سلبوا منهم أصواتهم.

قد تغيّر الكثير في لبنان بعد الطائف، هذا الاتفاق الذي لم يطبّق لتاريخه علماً بأن جميع القوى السياسية استفادت منه بحسب مصالحها حتى من كان ضدّه عملياً. ومع دخول لبنان حقبة ما سمّي بالإعمار والنهوض بالبنى التحتية بدأ تقاسم السلطة من خلال الترويكا آنذاك لدرجة أن قام أحد الرؤساء بذاك الخطاب الشهير مسمياً لبنان بتلك "البقرة الحلوب التي يتقاسمها أصحاب المزرعة". ومع التقاسم والتقسيمات فتح المجال للثقافة المحلية أن تشذّ عن قواعدها الاصلية وتحوّل لبنان تدريجياً الى ثقافة الفساد والإفساد وأصبحت هذه الثقافة معمّمة لا بل وقحة حيث رأينا أخيراً حجم التكابر والتكاذب واتهام الآخرين بما البعض مسؤول عنه وتهديد المواطنين بالصراخ والتهويل بالمخاطر والتضحيات التي يجب فقط على المواطن أن يتحمّل، هكذا اعتقد من هم بالسلطة محاولين تبرير الفشل بالفشل من خلال ضرائب جديدة تطال المواطنين ... فكان الانفجار!

الانفجار والغضب الشعبي وحقوق الناس وتضامنهم وعفويتهم تجلّت بأبهى صورة حضارية جعلت العديد يعود الى إيمانه بأن لبنان وشعب لبنان يستحق الحياة وعرّيت الطبقة السياسية من محاولة إخفاء تماديها باستباحة حقوق المواطنين الى غير رجعة، والتحمت الطوائف تحت عباءة لبنانية صرف رغم اتهام البعض بأن هذا الحراك أي الانتفاضة أو كما أسميته في مقالاتي مهرجان الحرية هو بتمويل من السفارات أو جهات لها مصالح وتودّ أذيّة لبنان.

هل يمكن أن يؤذى لبنان أكثر؟ ماذا بقي؟

مما سبق، الجدير بالقول إن مؤسسة الجيش اللبناني برهنت عن تماسكها ووقوفها الى جانب المحتجين والثائرين إضافة الى القوى العسكرية والامنية الاخرى (بالرغم من بعض التجاوزات أحياناً) ولكن اللافت هو إقفال المصارف أبوابها مع نشوء الثورة وإغلاق الطرقات، وهو أمر لم يحصل يوماً في لبنان أبداً، حتى في أيام الحرب اللبنانية، كما حصل في الاسابيع القادمة، مما يعني بأن المصارف شعرت بالمخاطر المتزايدة وبالضغوط التي ستُفرض عليها. وليس خفياً على أحد بأن المصارف كانت لتاريخه تعيش عصراً ذهبياً من خلال الارباح الهائلة التي كانت تجنيها مما جعلها قوية وقادرة على خوض أي استحقاق مالي مهما كان حجمه، الى أن علا صراخ اللبنانينن متهمين الجميع بالفساد وازداد الخوف على الليرة وعلى الودائع، وقد يكون هذا الخوف مبررا إذ لن يستطيع الوطن أن يشقّ طريقه نحو الترشيد الاداري والاصلاح الاقتصادي بنفس الأدوات التي أرهقت كاهله.

هنا جاء دور مصرف لبنان الذي بدأ يتعرض للضغوط الصامتة قبل الانفجار في الشارع وأصبح ممنهجاً وغير بريء (الضغط) في الايام اللاحقة من جهات قد تكون متضررة من أداء الحاكم وما يُسمى الهندسات المالية عن حق أو عن غير حق، لكن الواقع أن الأمن الاجتماعي والحفاظ على تعب الناس وتضحياتهم أمر أخلاقي وانساني قبل كل شيء وسياسة الحفاظ على سعر الصرف الرسمي ضرورة اليوم قبل الامس، وتثبيت سعر الليرة أتاح للبنان واللبنانيين المباشرة ببناء اقتصاد قوي سُلب منهم من خلال الأداء السياسي في البلاد، وقد كانت لكلمة حاكم مصرف لبنان الاثنين ظهراً معطياته وتظهر جلياً بأن سياسية الحفاظ على النقد ثابتة وأموال المودعين ليست بخطر، ورمى الطابة في ملعب المصارف المصارف أولاً طالباً منهم زيادة الرساميل بنحو 20% وبهذه الطريقة يكون قد فرض إعادة بعض من الاموال بالعملات الصعبة التي خرجت من البلاد خلال الازمة الاخيرة، ومن ناحية ثانية كان واضحا بأن مصرف لبنان يحاول تجنيب نفسه المساءلة بما خصّ التمويل للقطاع العام وكيفية صرف الاموال الى السياسيين ومن تعاطوا الشأن العام منذ 27 سنة لغاية يومنا هذا.

وعليه لا خوف على العملة الوطنية من الانهيار ولا خوف على الودائع في المصارف، هذه الأخيرة التي وضعت كميات كبيرة من النقد الاجنبي في استثمارات طويلة الامد ومُربحة ولذلك لا تستطيع تأمين كل السيولة المطلوبة عند الهلع علماً بأنها قادرة إذا إقتضت الحاجة ولكن مع خسائر تعمل على تجنبّها بكل الوسائل.

في الختام تعود الطابة الى ملعب السياسيين الذين بأغلبهم ما زالوا يراهنون على مخارج تُرضي مصالحهم ولو على حساب الوطن. والمواطن لن يسكت بعد اليوم لحين تحقيق المطالب والحقوق كل الحقوق!

هل سيغلب الحق الباطل ويعود لبنان رسالة أم سيبقى الوطن ضحية أداء بعض السياسيين الذين أكلوا الأخضر واليابس وشكلوا خطراً على الكيان أكبر من الخطر الصهيوني الجاثم على أبوابنا؟


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم