الرئاسات ليست على مقاس لبنان
Smaller Bigger

بين استقالة رئيس الحكومة على هدير الثورة وتحت ضغط ثائراتها وثوّارها، وغلق مداخل عين التينة، مقرّ رئيس مجلس النوّاب، على أيدي محازبين، في أواخر الأسبوع الفائت، على وقع شائعةٍ تحدّثت عن تظاهرةٍ اعتراضيّةٍ مفترضة كانت في طريقها إلى المكان، وبين تظاهرةٍ حزبيّةٍ، أمس الأحد على طريق القصر الجمهوري، تأييدًا للرئيس، بدا لبنان بدون رئاساتٍ على مقاسه.

ربّما كانت الرئاسات في لبنان، ولا تزال، على هذه السويّة الدونيّة، في الغالب الأعمّ من زمن تاريخه الاستقلاليّ.

بلدٌ ثائرٌ، بشابّاته وشبّانه، برضّعه وشيوخه، بشغّيلته وعمّاله وأساتذته وشعرائه وجائعيه، ليس له ملجأٌ توحيديٌّ جامعٌ بين الرؤساء والنوّاب والوزراء والزعماء والأمراء، هو بلدٌ يُرثى له من جهة هذه السلطات، لكنْ هو بلدٌ يُعتَزّ به من جهة ثوّاره العزّل الأحرار، العابرين المناطق والأحزاب والانقسامات والولاءات والمذاهب والطوائف.

إنّه لوصفٌ يندى له جبين الأوطان، أن يوصم بلدٌ بأنّ سلطاته وحكّامه ومسؤوليه هم دون مقاساته.

بلدٌ يبحث عن ذاته؛ بلدٌ يتحرّر من ذاته؛ بلدٌ يغسل ذاته من أدران طبقته الحاكمة؛ بلدٌ يولد من وجدان ذاته؛ بلدٌ كهذا البلد يستحقّ رئاساتٍ وسلطاتٍ وحكّامًا ومسؤولين يليقون بأوجاعه وبأحلامه.

عارٌ، هو كلّ العار، أنْ يقبل مسؤولٌون، كلّ مسؤول (أيّ مسؤول)، بالبقاء في سدّة المسؤولية، عندما ينزع عنهم شعبهم الثائر في الشارع، مشروعيّتهم الوطنيّة الجامعة. أو عندما يدعوهم شعبهم هذا إلى وقف مسلسل الظلم الجائر، من طريق تنفيذ إصلاحاتٍ جوهريّةٍ فوريّة في نظامه الفاسد.

وإذا قرّر المسؤولون (كلّ مسؤول وأيّ مسؤول)، أنْ يديروا آذانهم الصمّاء، وأنْ يمارسوا سياسات التذاكي والازدراء والاستخفاف والاحتقار والمكر والالتفاف على الحقائق، بالهرب إلى الأمام من طريق الاستقالة، أو من طريق تسكير المنافذ إلى المقارّ الرسميّة، أو من طريق تجميع المؤيّدين والمريدين والمستفيدين والأزلام، وإلقاء الخطب الفئويّة والموتورة والرعناء، فلتحلّ على هؤلاء المسؤولين، جميع هؤلاء المسؤولين، وعلى مَن يوشوش لهم، ويُملي عليهم، ويديرهم، ويحرّكهم، فلتحلّ عليهم اللعنات، وليكونوا مرذولين، ولتتحوّل لياليهم إلى كوابيس، ونهاراتهم إلى مقابر.

الحقيقة الوطنيّة، ليست سلاحًا وأحزابًا وطوائف ومذاهب ومواقع نفوذ ومراكز مال وزعماء يخرّبون معنى ما يجري على الأرض، من النبطية وكفررمان وصور وصيدا وبعلبك والهرمل، وبيروت والشوف وعاليه والمتنين، وجبل لبنان، كلّ جبل لبنان، وصولًا إلى العروس الأبهى، طرابلس.

الحقيقة الوطنيّة الوحيدة التي لا شائبة فيها، هي حقيقة أنّ لبنان لم يعد يتحمّل مثل هذه السياسات، وأحقادها، وصغائرها، وحساباتها الصغيرة.

لبنان يستحقّ مَن يستحقّه.

ما جرى، ولا يزال يجري على مستوى الطبقة الحاكمة والسلطات والرئاسات والمسؤولين في لبنان، يثبت كلّ لحظة، أنّ لبنان مستحقٌّ ثورته على ذاته وعلى حكّامه، لكنه لا يستحقّ هذه المعاملة من جانب مسؤوليه.

مَن يعامل لبنان بالطريقة التي يُعامَل بها، هو لا يستحقّ لبنان، ولا الاضطلاع بمسؤوليّاته.

إنّي أصف الأنين الوطنيّ، ولا أفلسفه، ولا أحلّله.

إنّي أصف لبنان الذي يئنّ.

لبنان هذا، ملعونٌ كلّ مَن ليس على مقاس أنينه.

ملعونٌ كلُّ مَن ليس على مقاس لبنان!

[email protected]


الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/4/2025 6:56:00 PM
شقيق الضحية: "كان زوجها يمسك دبوسا ويغزها في فمها ولسانها كي لا تتمكن من تناول الطعام".
أوروبا 11/4/2025 7:39:00 PM
يبلغ من العمر 48 عاما ويعمل في شركة LNER منذ أكثر من 20 عاما.
فوز زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك، ليصبح أول مسلم من جيل الألفية يتولى قيادة أكبر مدن الولايات المتحدة