الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

حراك تظاهرة لا بل ثورة

حراك تظاهرة لا بل ثورة
حراك تظاهرة لا بل ثورة
A+ A-

ثورة للشعب اللبناني المنتفض على الجوع والفقر والفساد، انطلقت شرارتها في 17 تشرين الأول الجاري بعد شعلة الضرائب التي قيل إنها طالت "الواتساب". هبّ اللبنانيون خالعين ثوب المذهبية والتبعية موحّدين كلمتهم في وجه سلطة استأثرت بالمال والنفوذ وسخّرتهما لخدمتها.

هذه الثورة طوّت أيامها العشرة، شلت البلد، اغلقت المؤسسات والمصارف وأربكت السلطة. استنفر رجل العهد الأول رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل ليدافع عن العهد ومسيرته في بناء الدولة والإصلاحات ومحاربة الفساد من على منبر الرئاسة الأولى، في مشهد استفز المتظاهرين، وعاجله بعد ذلك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بطلب استقالة الحكومة والرضوخ لقرار الشارع.

فاتجهت الأنظار نحو رئيس الحكومة الذي أطّل في مؤتمر صحفي من السراي الحكومي ليحيي المتظاهرين ويشدد على مطالبهم المحقة ويوجه سهامه نحو كل الشركاء في الحكومة ويضعهم تحت مسؤولياتهم في مهلة أقصاها 72 ساعة، وبدء سلسلة لقاءات توّجت بجلسة طارئة للحكومة في بعبدا، ليخرج بعدها بورقة إصلاحية تعتبر جواباً وحلم كل متظاهر، وبدء العمل بها ولكن في ظل انعدام الثقة بين المواطن والدولة ارتفع عدد المتظاهرين، وزادتهم إصراراً إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي رفض إسقاط العهد أو الحكومة على حد سواء، ومع ارتفاع ضغط الشارع وكلمة الرئيس عون الأخيرة التي طالبت الشعب بالوقوف إلى جانب السلطة، قالباً الآية فأصبح المسؤول يطالب الشعب بمطالبه!!

وبدأت أعمال الشغب، شارع يقابله آخر، ومن هتاف "كلن يعني كلن" الى "كلن يعني كلن ما عدا السيد وما عدا الاستاذ وما عدا الرئيس"، وكل هذا التقلب جاء بعد أعمال شغب واعتداءات واضحة على المتظاهرين وصلت إلى حد استعمال السلاح الظاهر لقمعهم، بالإضافة للهجمات المتعددة التي طالت ساحات الاعتصام وآخرها التظاهرات المضادة التي تطالب المتظاهرين بفض الاعتصامات وفتح الطرق وعدم المساس بموقع الرئاسة الأولى. وكل هذه والشعب يسأل لماذا؟؟

عام 1990 غادر العماد عون رئيس الحكومة العسكرية آنذاك قصر بعبدا مرغماً، وعاد اليه كرئيس شرعي عام 2016 بعد عودته من منفاه الفرنسي عام 2005 وإبرامه اتفاق مار مخايل الشهير مع حزب الله عام 2006، وظل هذا الاتفاق الهجين وليد التناقضات والاستفهامات التي ما انفكت تلازمه بوجود هوة عقائدية وسياسية كبيرة بين طرفي الاتفاق.

لربما في اتفاق مار مخايل غاية في فرملة "الطائف" والاتجاه نحو إلغائه أو على الأقل تعديله لما تتطلبه مصالح "التيار العوني" كما حزب الله الذي يكمن في داخليته السياسية شوق للاتجاه نحو المثالثة في التوزيع الطائفي للنسيج اللبناني وذلك عبر خضة أمنية أو ما شابه للعبور نحو مؤتمر تأسيسي يكرس هذه المعادلة.

لـ"التيار العوني" وعلى رأسه عون "غصة" من اتفاق الطائف الذي أبعد الأخير 15 عاماً عن المشهد السياسي اللبناني بالإضافة الى تقليص صلاحيات الرئاسة لصالح مجلس الوزراء ورئيسه وهذا ما جعل "التيار العوني" يطلق معركته الثالثة عبر أبواقه وجيوشه الإلكترونية وتكتله النيابي والوزاري بقيادة رئيسه الجديد باسيل تحت مسمى "الرئيس القوي"، ويعاونه في ذلك تسهيلات حزب الله في تأييد أعمى لسياسته داخل الحكومة وخارجها وطبعاً بقوة سلاحه غير الشرعي فارضاً معادلة جديدة في التخاطب والممارسة على الصعيد السياسي والاجتماعي.


وقد لاقت "القوات اللبنانية" عون على نفس الطريق عبر تكريس مفهوم الرئيس القوي كمعيار للوصول الى سدة الرئاسة خاصة بعد الاجتماع الذي دعت اليه بكركي للزعماء المسيحيين الأربعة والأقوى، فتمت المصالحة التاريخية بين جعجع وعون وأوصلت الأخير إلى بعبدا ومن بعدها انفضاح أمر "وثيقة معراب" والتي نصت على تقاسم كل المناصب والمراكز والمكتسبات المسيحية بين الطرفين دون سواهم وكل هذا تحت لواء معركة الرئيس القوي، ومن هنا نستنتج أن الخلاف المبطن بين رئيس "القوات" و"زعيم السنة" سعد الحريري في أكثر من منعطف ونقطة وكان أخرها انسحاب وزراء القوات من الحكومة وتصويب شارعهم على شخص الحريري كرئيس لمجلس الوزراء مع منع التعرض لموقع رئاسة الجمهورية وعدم المساس به، ليس وليدة اللحظة بل مسار عمل انتهجته القوات لضرب وتقليص صلاحيات موقع الرئاسة الثالثة.

في ظل ان الحريري الذي غمز من خانة انتخابات نيابية مبكرة تلبية لمطالب المتظاهرين، عمل في لقاءاته ومبادراته الأخيرة لاحتواء الشارع من موقعه المسؤول مفرزاً معادلتين لمنع الفراغ في أي من السلطات الثلاث والأولى تقضي بتعديل وزاري جذري يقيل العديد من الوزراء على رأسهم باسيل، ما يسهل عليه المضي بالورقة الإصلاحية المطروحة خاصة في عدة ملفات يعتبرها باسيل حكراً له ولتياره، أما المعادلة الثانية فهي الاتفاق المسبق مع رئيس الجمهورية على حكومة جديدة مصغرة بصبغة تكنوقراط تستبعد باسيل وحزب الله من الحكومة وهذا ما قد يوافق عليه رئيس الجمهورية ويرفضه الحزب انطلاقاً من عدة عوامل أهمها سياسته الخارجية وتوجّه باسيل إلى سوريا الأسد كممثل للدولة اللبنانية.

ومن هنا نجد أن الشارع المنتفض والثائر شكل دعامة متينة وغطاء واسعاً لضمان تحركات الحريري السياسية تجاه "التيار العوني" وحزب الله والضغط عليهما لقبول إحدى الاثنتين، مما أربك قيادة الحزب التي عاجلت في خطوات سريعة مبطنة نحو فض التظاهرات ملتقية مع مظاهر التحركات المضادة المدفوعة من قبل قيادة "التيار العوني" لسحب أوراق الحريري وتعريته من القوة المفرطة التي حظي بها بعد انطلاق الثورة خاصة وان الحريري يمثل الزعامة السنية الأقوى محلياً والزعيم الأقوى عربياً ومعادلة إقليمية صعب لا بل من المستحيل التخلي عنها.

إن حزب الله اليوم يعمل على إحراج الحريري فإخراجه من السلطة لاستقدام رئيس جديد للحكومة يسهل التعاون معه وتقويضه، واضعين نصب أعينهم أن أي معادلة تخرج باسيل من المعادلة السياسية هي ضربة قاسية وورقة نعي لحياته السياسية وبالتالي تمزيق ورقة المثالثة التي يطمح اليها الحزب.

فهل يُحلّ الشارع ويسير بالمثالثة أو يصمد ويسير في الإصلاحات؟!!

...

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم