الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

السياسة والتربية

المصدر: النهار
نبيل الجوهري
السياسة والتربية
السياسة والتربية
A+ A-

لطالما قيل ما معناه إن السياسة هي اللعب على عقول الأغبياء، و"السايس" هو من يسوس القطيع. فهل فعلاً هناك ما أثبت صحة هذه المقولة؟

يمكن معالجة هذه النظرة من ناحيتين اثنتين، الأولى حينما يوجد الحاكم ضمن جماعة أوتيت الغباء بالفطرة، فتراه "يسرح و يمرح" ويستغل ويستبد دون أي مساءلة، وسط قطيع مُطيع لا حول له ولا قوة. والثانية ان وجد الحاكم نفسه وسط جماعة لا يُستهان بوعيها، غير ان إيمانه بالمقولة السابقة يُلهمه لوضع خطط استراتيجية طويلة الأمد لإفراغ هذه الجماعة من وعيها، وصرف اهتماماتها بأمور مستحدثة فارغة المحتوى متوهجة القشور، فيستعمل الأصباغ نفسها لرسم لوحة أبعد ما تكون عن التناسق والتآلف، ويدّعي أنها الفن الجديد، ويرسم لآليات اقناع الجماعة بها.

إذاً السياسة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتربية وتنشئة المجتمع، فالمجتمع الذي نشأ نشأةً يصبغها الوعي الاجتماعي والايمان بأحقّية حقوقه الإنسانية لن يتوانى عن مطالبة الحاكم بتأمين هذه الحقوق له، وإلّا..! أما ذلك الذي تعرّض لخطّة ممنهجة فتمّ تفريغ محتواه الحقوقي واستبداله بقناعات فارغة، وتحوّل الى قطيع لا ناقة له ولا جَمَل، سيكون أفضل ما يطمح اليه الحاكم المستغل المستبد.

والبداية دوماً تكون من القاعدة، فهي مَن تحمل الرأس، ولا يمكن قذف الملامة على الرأس، اذ ان استمراريته رهن برفع القاعدة له.

وبالعودة الى الواقع والابتعاد عن "التفلسف"، يجدر القول إن الشعب هو مَن يكرّس سفور الحاكم وليس العكس، كما ان التربية والتنشئة الوطنية لا يتولاهما الحاكم، وانما تراكمهما التجارب الاجتماعية التي ترسم هي الأولويات وتحدد الحقوق، ليُصار الى المطالبة بها في ما بعد.

فلا مكان إذاً بعد اليوم للاقتناع بالاستزلام، والتفاخر بخسارة فلذات الأكباد لحماية مَن يستغلونك ولا يستقبلونك الا حينما يضطرون لذلك.

والتغيير لا يتطلب "رييعا عربيا" ولا ثورات تُزهق فيها الأرواح، بل وعياً اجتماعياً حقوقياً وتحكيماً للعقل والمنطق عند أول توجّه الى صناديق الاقتراع لا أكثر، على قاعدة ألّا يُحقّرنَ أحدٌ نفسَه.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم