الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

اللبناني: بين العهر السياسي وزوال الهويّة

المصدر: النهار - دميا معوّض جبّور
منذ مواكبتي الأحداث السياسية في لبنان ومعاصرة الكثير منها، لم اشعر يوماً بالانهزام والاستسلام كالذي أعيشه اليوم.
منذ مواكبتي الأحداث السياسية في لبنان ومعاصرة الكثير منها، لم اشعر يوماً بالانهزام والاستسلام كالذي أعيشه اليوم.
A+ A-
منذ مواكبتي الأحداث السياسية في لبنان ومعاصرة الكثير منها، لم اشعر يوماً بالانهزام والاستسلام كالذي أعيشه اليوم.
إنّ تعلّقي الشديد بوطني جعلني أتخصّص في العلوم السياسية والإدارية، وحماسي الشديد أن أشاهد ربيع لبنان يُزهر، وشبابه يقود التغيير، جعلني أندفع وأُشارِكَ ميدانيّاً للتعبير عن موقفي، لأنّني كنت على يقينٍ "أن لا بدّ للقيد أن ينكسر".
أنا اليوم أَقِفُ مهزومة، لا أدري إن كنت ساذجة أم حالمة، ولكنّني في الحالتين أعتذر من "الوطنيّة" التي كانت تمتلكني وأقول لها: اذهبِي في أمان الله، لم تأتِ ساعتك بعد.
الهزيمة التي أعيشها اليوم تختلف عن التي عشتها في السابق، إنّه الشعور نفسه الذي تعيشه المرأة حين تُغرَم بفتى أحلامها، تقترن به، لتعلم بعد سنوات أنّ الحبّ وحده لا يكفي، فإذا كان الأساس غير متين باطلا يتعب البنّاؤون.
نعم، باطلاً نتعب، وباطلاً نكافح، وباطلاً نتوق للتغيير في ظلّ نظامٍ سياسيّ كرَس ويُكرِسُ عاملين: أوّلهما "اللامركزية الديبلوماسيّة" وثانيهما "مركزية نهب موارد الدولة".
اللامركزية الديبلوماسية جعلت كلّ طائفة تتمتّع بسياسة خارجية مستقلة؛  هذا يجعل من لبنان ساحة للتناقضات والصرعات الإقليمية.
أمّا عن مركزية نهب الموارد، أعطى النظام السياسي ومعادلة "ستة وستة مكرّر"، السلطة لملوك الطوائف في وضع اليد على الموارد والأملاك العامّة.
لكنّ حجم الخطورة في مركزية النهب تتخطّى نسبة ارتفاع الدين العام وتدهور قيمة العملة الوطنية، وتجاوز حالةَ شعب بكامله تحت خطّ الفقر، ليمسَّ الهويّة اللبنانيّة.
تلك الهوية التي طالما تباهى اللبنانيّ بها، سقطت.
سقطت مع انهيار القطاع التربوي والتعليمي، وعدم القدرة على إعطاء الجسم التربويّ ما يستحقّ من رواتب وأجور؛ سقطت مع انهيار القطاع الاستشفائي وهجرة النخبة من الأطبّاء والممرّضين؛ سقطت مع انهيار الجسم القضائيّ وكفّ الأيادي النظيفة داخله عن العمل بحرّية.
الهوية اللبنانية التي تتكلّم عن الحرّيات واحترام حقوق الإنسان تبدّلت: النخبة رحلت لتحلّ مكانها مافياتٍ فرضت على شعب مثقف ومتعلّم أوّليات مختلفة: كالبحث عن لقمة العيش، وعن دواء مقطوع والوقوف لساعات في طوابير الذلّ. لم تبقِ لهم الخيار ولا الوقت للتفكير في الثقافة والفكر وبالتالي التغيير.
أيّ أمل يبقى للانتخابات المقبلة؟ فلا يلوح في الأفق تغييراً إيجابيّاً.
من ننتخب؟ هل نقترِعُ للجوقة الحاليّة المعروفة بفسادها وعهرها؟ أم للجدُد الوارثين؟ أم نصوّت للذين يدّعون التغيير ونحن لا نعرف عنهم شيئاً حتّى الان: من هم؟ ما هي أفكارهم؟ كيف سيغيّرون في ظلّ النظام السياسيّ الحاليّ؟ من يموّلهم؟ هل لديهم استراتيجيّة أو مشروع سياسي؟
في الواقع، لسنا بعد الآن بوطن، نحن في مسلسلٍ من عدّة مواسم، انتاجه ضعيف ومع كلّ موسم جديد يزيد المُخرِجُ العِقَد، ولكنّه يبقي على الأبطال أنفسهم رغم كِبَر سنّهم وعدم تماشيهم مع العصر الحالي. أمّا الخاتمة فحتماً مأساوية، لأنّ هشاشة الإنتاج والإخراج أفقدت المسلسل هويّته.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم