الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

تجميد البويضات... غريزة الأمومة في مواجهة التشدد الديني بمصر

المصدر: "النهار"
القاهرة- ياسر خليل
تجميد البويضات... غريزة الأمومة في مواجهة التشدد الديني بمصر
تجميد البويضات... غريزة الأمومة في مواجهة التشدد الديني بمصر
A+ A-
وما فجّر هذه السجالات، أخيراً، هو إعلان فتاة تدعى ريم مهنا أنها كانت تبحث عن حل للحفاظ على فرصتها في إنجاب طفل، فيما لو اضطرت إلى الزواج في سن متأخرة وبات من الصعب عليها أن يحدث لها حمل بصورة طبيعية. وقالت إنها وجدت في تجميد البويضات أفضل حل متاح أمامها.

وبينما تلقفت الفتاة الحل الذي قدّمه العلم الحديث، ثم قررت أن تعلن تجربتها في مقطع فيديو مصور، كي تستفيد من تجربتها ملايين الفتيات اللاتي يواجهن أزمة التأخر في سن الزواج إلى ما بعد الخامسة والثلاثين، انفجر ضجيج السجالات الدينية، وتراوحت الفتاوى بين تحريم قاطع، وإباحة مقرونة بشروط مشددة، لا تحل الأزمة بل تستنفر المشاعر الدينية لدى المجتمع المصري، للتصدي لذلك الحل العلمي، الذي تتجه شركات عالمية مثل "فايسبوك" و"آبل" إلى إدراجه ضمن التأمين الصحي لعاملاتها من النساء.

وحسب مصادر نسائية وطبية تحدثت إليها "النهار"، فإن عملية تجميد البويضات أجريت في مصر، عشرات المرات، خلال السنوات القليلة الماضية، وهذا وفق أقل التقديرات، لكن تلك العمليات كانت تتم بتكتم وبعيداً من أعين الرأي العام، داخل عيادات عدد من الأطباء في القاهرة.

غريزة الأمومة

تقول هويدا لـ"النهار": "قبل نحو عامين، اضطررت لقبول شاب تقدم لخطبتي، لأنني أحلم بأن أكون أماً. لم أشعر بأي حب تجاه هذا الشاب، وكنت أتوقع أن تنتهي علاقتنا بالفشل والطلاق، لكن كنت أقول في نفسي، لو كانت ثمرة هذه العلاقة طفلاً جميلاً، هذا يكفيني ويعوضني".

حين علمت هويدا أن بإمكانها تجميد بويضاتها، وتخصيبها لاحقاً، عندما تلتقي "فارس أحلامها"، قررت فسخ خطبتها: "لقد فسخت خطبتي على الفور، وبدأت بالفعل في إجراء الفحوصات اللازمة، وها أنا سعيدة بقراري، لم أعد مضطرة للتعجل في اتخاذ قرار الزواج، وقد تمكنت من الالتفات إلى عملي ومستقبلي، وفي الطريق ربما أصادف فتى أحلامي".

وتقول أسماء وهي طالبة دراسات عليا بجامعة القاهرة لـ"النهار": "الكثير من الفتيات يجرين عملية تجميد البويضات في مصر، لكن لا أحد منهن يعلن عن ذلك، فالمجتمع غير مهيأ لتقبل هذه الفكرة، لقد التقيت بالعديد من الفتيات اللاتي ينتمين إلى عائلات مرموقة خلال إجرائي تحليلاً لمخزون البويضات لدى الدكتور جمال أبو السرور (مؤسس المركز المصري لأطفال الأنابيب)".

وتضيف أسماء: "لم أجرِ العملية، لأن الدكتور قال لي إن مخزون البويضات لدي مرتفع، وأن إنتاجها قد يستمر كثيفاً حتى سن الخامسة والأربعين، لكنه نصحني أيضاً بأن أجري اختباراً آخر خلال عامين".

وتتعجب أسماء من أن "البعض، خاصة من الرجال، يرفضون فكرة تجميد البويضات، إنهم لا يفهمون الحقيقة، هذه العملية تفتح باب الأمل لدى بعض الفتيات اللاتي أصبن بالسرطان، تجميد بويضاتهن قبل أن يتعرضن للعلاج الكيماوي يحفظ لهن حقهن في الإنجاب، كذلك بعض الفتيات يصبن بمشكلات في المبيض، قد تعيق إنجاب أطفال، كذلك بعض الفتيات لم يجدن الرجل المناسب، هل يتزوجن أي شخص يأتي في طريقهن إرضاء للمجتمع؟!".

وتقول إيناس كمال الصحافية المتخصصة في شؤون المرأة لـ"النهار": "لا شأن لي بالجدل الديني الذي بدأ يدور حول تجميد البويضات، من الناحية الإنسانية أنا مع هذا الحل، وقد نصحت به إحدى صديقاتي التي تجاوزت سن الأربعين دون زواج".

"حرام أن تصاب الفتاة باكتئاب، أو تضطر للارتباط بأي شخص يصادفها حتى تحقق حلمها في أن تصبح أماً، إن من لا يتفهمون هذه المشاعر، هم حمقى، ولا يعرفون أن هذا الحل العلمي في صالح المجتمع".

تحريم وقيود

بعدما حظي مقطع الفيديو الذي بثته ريم باهتمام إعلامي، وأثار ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، صدرت موجة تحريم صريحة لعمليات تجميد البويضات، بحجة أنها "تنطوي على مفاسد كبرى".

ويقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة القاهرة: "إن تجميد البويضات محرم شرعاً، مثل هذه العمليات الجراحية تفتح الباب لمفاسد أخرى قد تكون غير محمودة العواقب. وهناك قاعدة تقول إن درء الضرر مقدم على جلب المنفعة".

ويرى الداعية السلفي سامح عبد الحميد حمودة أنه "لا يجوز تجميد البويضات بسبب تأخير الزواج"، واستند إلى "قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي يشير إلى أن (تلقيح البويضات يكون للضرورة بين الزوجين، ويجب الاقتصار على العدد المطلوب للزرع عند تلقيح البويضات)".

ويقول أطباء إن عملية زرع البويضات تحتاج إلى استخراج نحو 20 بيضة، ويتم ذلك في الغالب على دفعتين، وربما أكثر، وتتم العملية للعذراوات عبر فتحات بالبطن.

واعتبر الداعية السلفي أن "تجميد البويضات عملية مشبوهة، تُحيطها الشكوك والريبة وعدم الاطمئنان ، والخوف من اختلاط الأنساب، والشك في نسبة المولود لهذين الزوجين، ونسبة الخطأ كبيرة، فتخزين البويضات يحدث فيه أخطاء وتداخل بين العينات، خاصة إذا تم تخزين البويضات لسنوات في المعمل الطبي، وتغير على المعمل أطباء وممرضات خلال هذه السنوات".

واستند بعض المشايخ في التحريم إلى رأي فقهي يرى أن البويضات التي يتم استخراجها، قد أنتجت قبل إتمام عقد الزواج، ومن ثم "لا يجوز تخصيبها" لاحقاً، لأن الفتاة التي أنتجت تلك البويضات لم تكن في عصمة الزوج عندما أنتجت تلك البويضات.

ولم تحرم دار الإفتاء المصرية عملية تجميد البويضات صراحة، بل قالت إنها "جائزة"، لكنها ضمنت فتواها 4 قيود، كي يصبح تجميد البويضات مباحاً شرعاً، ويرتبط أول تلك القيود، بالرأي السالف ذكره، والذي يحرم تلقيح بويضات جمدتها الفتاة قبل الزواج.

وقالت دار الإفتاء إن القيود الشرعية هي: "أن تتم عملية التخصيب بين زوجين، وأن يتم استخراج البويضة واستدخالها بعد التخصيب في المرأة أثناء قيام علاقة الزوجية بينها، وبين صاحب الحيوان المنوي، ولا يجوز ذلك بعد انفصام عرى الزوجية بين الرجل والمرأة بوفاة أو طلاق أو غيرهما".

والقيد الثاني الذي وضعته الدار: "أن تحفظ اللقاحات المخصبة بشكل آمن تمامًا تحت رقابة مشددة، بما يمنع ويحول دون اختلاطها عمدًا أو سهوًا بغيرها من اللقائح المحفوظة"، أما الثالث فهو "ألا يتم وضع اللقيحة في رَحِمٍ أجنبيةٍ غير رحم صاحبة البويضة الملقحة لا تبرعًا ولا بمعاوضة". والرابع هو "ألا يكون لعملية تجميد البويضة آثار جانبية سلبية على الجنين نتيجة تأثر اللقائح بالعوامل المختلفة التي قد تتعرض لها في حال الحفظ، كحدوث التشوّهات الخِلقية، أو التأخر العقلي فيما بعد".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم