السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

"البطريرك كيريل مباركاً غرفة القيادة الروسيّة في الحرب" ضدّ أوكرانيا؟ إليكم الحقيقة FactCheck#

المصدر: النهار
هالة حمصي
هالة حمصي
الصورة للمتناقلة للبطريرك كيريل بالمزاعم الخاطئة (فيسبوك).
الصورة للمتناقلة للبطريرك كيريل بالمزاعم الخاطئة (فيسبوك).
A+ A-
يتناقل مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي صورة بمزاعم انها تظهر بطريرك موسكو وعموم روسيا كيريل الأول "مباركاً غرفة القيادة الروسية في الحرب الدينية ضد الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا"، خلال الغزو الروسي المتواصل لأوكرانيا. غير أن هذا الادعاء خاطئ. الصورة قديمة، بحيث ترجع الى 1 تشرين الثاني 2013، وتظهر البطريرك كيريل الأول "مباركاً المبنى الجديد لمركز الشؤون الخاصة بالسلامة المرورية التابع لوزارة الداخلية الروسية في موسكو". FactCheck# 
 
"النّهار" دقّقت من أجلكم 
 
الوقائع: التشارك في الصورة تكثّف أخيراً عبر  صفحات وحسابات، في الفايسبوك (هنا، هنا، هنا، هنا...)، وتويتر (هنا، هنا، هنا، هنا...). وقد أرفقت بالمزاعم الآتية (من دون تدخل او تصحيح): "تبخيرات داخل غرفة القيادة الروسية يشرف عليها بطريرك الكنيسة الروسية الأرثوذكسية "كيريل" في حرب دينية ضد الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا التي تحضى باستقلالية في شؤونها الداخلية منذ أربع سنوات ومنفصلة عن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية...". 
 
 
 
التدقيق: 
يتزامن انتشار الصورة مع مواصلة روسيا هجومها العسكري على أوكرانيا، والذي بدأته الخميس 24 شباط 2022. وفي آخر تطوراته، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الخميس، أنّه لا يصدّق التعهّدات التي أطلقتها روسيا بشأن تقليص عملياتها العسكرية في بلاده، مشيراً إلى أنّ قواته تتحضّر لخوض معارك جديدة في شرق البلاد (وكالة فرانس برس).

وجاء إعلان الرئيس الأوكراني بعدما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنّ قواتها ستلتزم اعتبارًا من صباح الخميس وقفًا لإطلاق النار في ماريوبول إفساحًا في المجال أمام إجلاء المدنيين من المدينة الأوكرانية المحاصرة، ما اعتبرته نائبة رئيس الوزراء الأوكرانية "تلاعبًا".
 
وتواصل القوات الروسية في الشرق "محاصرتها لمدينة خاركيف وقصفها"، بحسب هيئة الأركان الأوكرانية التي قالت إن "باتجاه دونيتسك، يحاول العدو السيطرة على بوباسنا وروبيجني والاستيلاء على ماريوبول" حيث يواصل الروس "تنفيذ هجماتهم". 
 
- حقيقة الصورة -
غير ان الصورة المتناقلة لا علاقة لها بالهجوم الروسي على أوكرانيا، وفقاً لما يتوصل اليه تقصي حقيقتها. 
 
فالبحث العكسي عنها يقودنا الى خيوط (مثل هنا، هنا...)، توصلنا الى مصدرها الأصلي، موقع بطريركية موسكو وعموم روسيا الارثوذكسية، الذي نشرها في 1 تشرين الثاني 2013 (هنا)، مع مجموعة أخرى من الصور، ضمن تقرير اخباري (هنا) عن "مباركة البطريرك كيريل في ذلك اليوم المبنى الجديد لمركز الشؤون الخاصة بالسلامة المرورية التابع لوزارة الداخلية الروسية، والذي يقع في شارع بوكلونايا في موسكو"، على ما أورد.
 
تصوير: س. فلاسوف S. Vlasov 
 
 
 
 
خلال "مباركة المبنى"، تفقّد البطريرك كيريل، برفقة مسؤولين في وزارة الداخلية الروسية، "غرفة العمليات، حيث اطلع على عمل المركز التحليلي الذي تم إنشاؤه، على غرار مركز الشؤون الخاصة بأكمله، في إطار البرنامج الفيدرالي من أجل التحليل التفصيلي لأسباب حوادث الطرق وظروفها واتساقها، وكذلك مراقبة أنشطة التقسيمات الإقليمية لمفتشية المرور الحكومية"، على ما جاء في تقرير الخدمة الصحافية لبطريرك موسكو وعموم روسيا (هنا). 
 
ثم زار البطريرك كيريل "متحف مفتشية المرور الحكومية، الذي تضمن معروضات عن تاريخ حركة المرور على الطرق في روسيا". 
 
 
 
- تقليد كنسي - 
منذ قرون، "درج المسيحيون الأرثوذكس على تبريك مساكنهم الجديدة، لأن الكتاب المقدس يذكرهم بأن يبدأوا كل ما يفعلونه بالصلاة. وقد امتد هذا التقليد ليشمل مكان العمل أو المكتب، وحتى غرف السكن الجامعي"، على ما اوضح فيليس أونست، المدير السابق لمكتب التربية الدينية لدى متروبولية بيتسبرغ للروم الأرثوذكس (هنا). 
 
وضمن هذا التقليد، جاءت مباركة البطريرك كيريل الاول المبنى الجديد لمركز الشؤون الخاصة بالسلامة المرورية التابع لوزارة الداخلية الروسية في موسكو عام 2013. 
 
ومن المعتاد أن "يطلب المواطنون الروس من الكهنة أن يباركوا أي شيء من السيارات والشقق الجديدة، إلى مركبة سويوز الفضائية، لاعتقادهم أن هذه البادرة تمنح حماية إلهية. ومنذ سقوط الاتحاد السوفياتي، بدأ رجال الدين الارثوذكس أيضا مباركة الجنود والطائرات والسفن وجميع أنواع الأسلحة من بنادق كلاشينكوف إلى صواريخ اسكندر البالستية القادرة على حمل رؤوس نووية"، وفقا لتقرير لوكالة فرانس برس (هنا، هنا ايضا).
 
وثمة صور عديدة (هنا) لكهنة ارثوذكس يباركون صواريخ "سويوز" قبل اطلاقها (هنا، هنا، هنا، هنا) وغواصات عسكرية روسية (هنا، هنا)، وجنودا روسا (هنا، هنا).  
 
 
  - وثيقة كنسيّة -
لكن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية نشرت، الاثنين 3 شباط 2020، وثيقة (هنا) اقترحت فيها وقف ممارسة تقليد يقضي بمباركة رجال الدين لأسلحة الدمار الشامل، على الرغم من أن رش مياه مقدسة على الطائرات والسفن لا يزال يعتبر أمرا مقبولا، على ما ذكرت وكالة فرانس برس (هنا ايضا). وحدّدت الكنيسة في المسودة دورها في مباركة رجال الدين الأرثوذكس لمن "يحمون أرض الآباء" و"يؤدون واجباتهم العسكرية". 
 
ومما اقترحته المسودة، "إلغاء مباركة أي نوع من الأسلحة التي يمكن ان يتسبب استخدامها بعدد غير محدد من القتلى، وبينها الأسلحة العشوائية أو أسلحة الدمار الشامل". لكن في الوقت نفسه يبقى "من المناسب" أن تتم "مباركة وسائل نقل يستخدمها الجنود برا وبحرا وجوا" للطلب من الله حماية الرجال الذين يستخدمونها.
 
وفي 31 ايار 2021، وافقت الجمعية العامة (بلينيوم) لمجلس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية على مسودة الوثيقة، خلال انعقادها في موسكو (26- 28 ايار 2021). وجاء في الوثيقة، وفقا لموقع بطريركية موسكو وعموم روسيا، أن "الكنيسة الأرثوذكسية الروسية لا تمنع أبناءها من المشاركة في الأعمال العدائية إذا كان الأمر يتعلق بحماية الوطن والجوار أو استعادة العدالة المنهارة".
 
وقالت إن "الصلاة من أجل الجنود ممارسة كنسية ثابتة. ومن خلال أداء صلاة خاصة لمباركة المسيحيين الأرثوذكس لأداء واجبهم العسكري، تعرب الكنيسة عن اهتمامها الرعوي بالجنود الذين يحتاجون، خلال الخدمة، إلى الإرشاد الروحي والدعم. ويزداد هذا الدعم أهمية خلال فترة مشاركة العسكريين في النزاعات المسلحة" (هنا، هنا ايضا). 
 
وأقرّت مسودة الوثيقة بـ"أنه من الممكن ومن المرغوب فيه تضمين الممارسة الليتورجية للكنيسة الأرثوذكسية الروسية طقوسا تتعلق بمختلف أحداث الخدمة العسكرية. وتم تكليف اللجنة الليتورجية السينودسية بتطوير الصلوات المناسبة".
 
واوضح تقرير لموقع kommersant الروسي (هنا، 1 حزيران 2021) ان "الوثيقة لا تنص على مباركة الأسلحة نفسها، ولكن على مباركة الأفراد العسكريين، بغض النظر عن نوع القوات التي ينتمون إليها"، وفقا لما نقل عن نائب رئيس قسم السينودس لعلاقات الكنيسة بالمجتمع ووسائل الإعلام فاختانغ كيبشيدزه. و"هذا يعني أن الكنيسة لا تبارك مستودعات الذخيرة، بل الجنود الأرثوذكس وأسلحتهم التي يستخدمونها للدفاع عن الوطن".

وقد أوضحت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أنه لا يمكن استخدام مصطلح "التكريس" عندما يتعلق الأمر بالسلاح. "يجب أن يشير هذا المصطلح فقط إلى الأشياء المكرسة لله: الملابس والأواني وما إلى ذلك. وفي بقية الحالات الأخرى، يمكننا التحدث عن المباركة"، وفقا لما نقل الموقع ذاته عن المطران سافا في حسابه في انستغرام. "يمكن رش الأسلحة بالماء المقدس، ولكن على وجه التحديد في سياق مباركة هؤلاء الجنود الذين سيستخدمون هذه الأسلحة".
 
كذلك، شرح رومان لونكين، رئيس مركز دراسة الدين والمجتمع في معهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أنه "بالنسبة الى الكنيسة، تعتبر مباركة المحاربين مع اسلحتهم، جزءًا من واجباتها الوطنية". واشار إلى أنه "بالنسبة الى رجال الدين لا يمكن أن تكون هناك مباركة للأسلحة بذاتها، بل يمكن أن تحصل فقط بالاقتران بأشخاص محددين، بجنود، بالقلق على حياتهم".
 
- استقلال كنسي -
نقطة اخيرة تتعلق بالعلاقة بين كنيستي روسيا وأوكرانيا الارثوذكسيتين. وما يجب معرفته، باختصار، هو أن الأرثوذكس في اوكرانيا منقسمون، اذ ينتمي قسم منهم الى الكنيسة الملحقة ببطريركية موسكو، فيما ينتمي قسم آخر الى بطريركية كييف التي أُعلنت من جانب واحد بعد استقلال البلاد عام 1992 (هنا، هنا، هنا). 
 
في 15 كانون الاول 2018، أعلنت أوكرانيا تأسيس كنيسة أرثوذكسية مستقلة عن بطريركية موسكو، وذلك بعدما كانت جزءاً منها منذ عام 1686. وتم انتخاب المطران أبيثاني دومينكو رئيسا للكنيسة الجديدة (هنا، هنا). 
 
وكان البطريرك المسكوني برثلماوس الاول الغى في ذلك العام المرسوم الصادر عام 1686 الخاص بتسليم مطرانية كييف إلى بطريركية موسكو، في خطوة تمهد الطريق للاعتراف باستقلال الكنيسة الأوكرانية. وردا على ذلك، قطعت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في 15 تشرين الاول 2015 علاقاتها بالبطريركية القسطنطينية، مشددة على أن قرار البطريرك برثلماوس مسيس ويهدد بالانشقاق داخل الكنيسة الأرثوذكسية (هنا، هنا، هنا).
 
وفي 5 كانون الثاني 2019، وقّع بطريرك القسطنطينية برثلماوس الأول في إسطنبول، مرسوم الاستقلال للكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا، لتأتي هذه الخطوة لتكرس الأزمة بين روسيا وأوكرانيا (هنا، هنا، هنا، هنا...).
 
و"قد ادى استقلال الكنيسة الأوكرانية إلى انقسام أوسع على مستوى الكنائس الأرثوذكسية، مع إعلان الكنيسة الروسية انفصالها عن العائلة الأرثوذكسية الجامعة، احتجاجاً على دور برثلماوس الأول في إصدار مرسوم الاعتراف بالكنيسة الجديدة في أوكرانيا" (بي بي سي).
 
النتيجة: اذاً، لا صحة للمزاعم ان الصورة تظهر بطريرك موسكو وعموم روسيا كيريل الأول "مباركاً غرفة القيادة الروسية في الحرب الدينية ضد الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا". في الواقع الصورة قديمة، بحيث ترجع الى 1 تشرين الثاني 2013، وتظهر البطريرك كيريل "مباركاً المبنى الجديد لمركز الشؤون الخاصة بالسلامة المرورية التابع لوزارة الداخلية الروسية في موسكو".
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم