الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

الحقيقة رقم 7: شو الحقيقة بنظرك... ماريا وجورج

المصدر: النهار
فرج عبجي
فرج عبجي
الحقيقة رقم 7: شو الحقيقة بنظرك... ماريا وجورج
الحقيقة رقم 7: شو الحقيقة بنظرك... ماريا وجورج
A+ A-
من دخل شارع فرعون المحاذي مباشرة لكنيسة مار ميخايل – طريق النهر، في تاريخ 4 آب 2020، بعد الساعة السادسة والربع، لن يعرف المكان الذي كان له ألف ذكرى وذكرى. الغبار السميك منتشر في الهواء، سيارات مدمرة بالكامل، رائحة الدم وبقعه في كل مكان، أبنية مدمرة، أسلاك الكهرباء مقطعة، صراخ استغاثة يأتي من تحت الركام، "ساعدونا"، "يا ابني وينك"، "عيني ووجي مش حاسس فيهن". 
 
حتى الموتى الراقدون في مقابر مار ميخايل، كانوا ليقوموا وينقذوا من يتألمون. 
 
قدر هذه المنطقة أن تدفع ثمن جميع الحروب، في السابق كانت تعرف المعتدي، لكنها هذه المرة لم تعرف من اعتدى على أبنائها الساكنين بسلام في منازلهم. 
 
اليوم عاد كل شيء الى مكانه وترممت المنازل والشوارع، لكن القلوب والنفوس من يرممها؟ ماريا سمعت الصوت القوي وركضت في اتجاه أمها ريم، وعينها على شقيقها جورج. صرخت الأم "فوتوا لجوا، ابتعدوا عن البلكون". لحظات من جهنم اقتحمت بيتاً متواضعاً مجبولاً بحنان الأم، وتعب الأب الذي كان يعمل ساعتذاك لتأمين القوت لعائلته في هذه الأوضاع الاقتصادية المأزومة، ولا يضيّع أي دقيقة من أجل أن يؤمّن ما يحسن حياة عائلته. 
 
كل شيء في هذا المنزل تكسر وتبعثر، إلا الرابط العائلي. تقول ماريا لأمها: "أمي ردّيت بجسمي الزجاج عن خيي جورج". لم تفكر في نفسها، رمت بجسمها فوق شقيقها الصغير، وهذا عمل لن يقوم به من أجل شعبه، أي مسؤول متمسك بكرسي السلطة. 
 
عندما وقعت الجريمة، عمّ الصراخ. الأم رأت ابنها مضرجاً بالدماء، لا تعلم ماذا تفعل. ويلها ابنها، وويلها ابنتها. وجدت نفسها وحيدة، خرجت إلى الشرفة وراحت تستنجد بمن يساعدها في حمل ولديها الجريحين، لتنقذهما من الشر المستطير. جاء المنقذ، لا تعرفه الأم، قالت له: "لا أعرفك، أرجوك، خذ ابني إلى أقرب مستشفى، المهم أن يعيش". يقول جورج: "كنت خائفا جدا في انتظار رفعي من الأرض، حسيت حالي تشوهت، كنت عم حس إنو إيدي عم تفوت على وجي، شفت عظامي، بقيت خائف لحين بلوغي المستشفى، عندها شعرت بأني قد أعيش، وأرى أختي وأمي وأبي". 
 
أحاول أن أكون أميناً في نقل الوجع الذي لا يزال الوالدان ريم وميشال يعملان على بلسمة ولديهما منه، في بلد لم يعد الحصول على الدواء فيه مهمة سهلة.
 
ماريا التي كانت اشبه بفراشة تطير من مكان إلى آخر، لا تزال تخضع لعلاج كبير ومضنٍ بسبب إصابتها. قالت: "ما رح استسلم، رغم الوجع والألم، رح ظل أرسم، لو سرقوا فرحتنا، بدي ارسم أجمل الصور عن حياتنا وبلدنا مثل ما نحنا منحبو يكون". ماريا التي مشت ساعات مضرجة بالدماء، حاملة وجعها لتعلم إن كان شقيقها على قيد الحياة، لم تستسلم ولن تستسلم. وجدت برفقة والدتها، والدها ميشال الذي ضاقت به الشوارع ليعرف مصير عائلته. التمّ الشمل بعد ساعات من البحث عن جورج الضائع الذي نقله المنقذ الأول على دراجته، فخيبت ظنه وتعطلت، فسلّم الأمانة إلى منقذ ثانٍ أوصله إلى بر الأمان في مستشفى المقاصد. 
 
عادت العائلة واجتمعت بعد المخاض الذي أتعبها حتى الموت، لكنها انتصرت عليه. ماريا رغم إصابتها، أكملت درسها، من دون أن تكمل فرحة عيدها الذي أطفأت شمعته في 3 آب: "لن أستسلم، وسأنجح، ما بدي كون بالبيت بـ 4 آب وإرجع إتذكر شو صار". ماريا تعشق البحر، لكنها بسبب إصابتها لا يمكنها أن تستمتع به: "رح تخلص الصيفية ومش قادرة روح على البحر".  جورج الذي سلّمته أمه لقدر لا تعرف نهايته، يشكر ربه كل يوم على أنه لا يزال ينده ريم: "يا أمي". ريم المقاومة لا تريد شيئاً لها: "أريد أن يتعلم ولداي ويعيشا حياة تليق بهما". ميشال المفجوع، يحضن زوجته التي خاضت مهمة الإنقاذ في غيابه، "نفذ الأمر بأقل ضرر ممكن". 
 
هذه ليست رواية من الخيال، إنها حقيقة يجب أن تصل إلى العالم. شعبي يموت على يد دولته، أطفال قتلوا، وأصيبوا وتشوهوا، وخسروا أهلهم وأشقاءهم، وأصدقاءهم، وخسروا طفولتهم. هؤلاء، من يملك الجرأة، الشجاعة، والبطولة لإعادة هذه الطفولة إليهم؟!
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم