السبت - 27 تموز 2024
close menu

إعلان

الحقيقة رقم 3: عايشين بخوف... أحمد ورائد

المصدر: النهار
نور مخدر
نور مخدر
الحقيقة رقم 3 : عايشين بخوف ... أحمد ورائد
الحقيقة رقم 3 : عايشين بخوف ... أحمد ورائد
A+ A-
في أحد شوارع الكرنتينا، عاش رائد وأحمد لحظات، كانا هربا منها في بلدهما الأم سوريا. استقرا مع العائلة في بيروت واتخذاها مكانًا آمناً لهما، وتحديداً اختارا المكوث في بناية مواجهة لمرفأ بيروت، حيث يعمل الأب في مطعمٍ بالميناء البحري لتأمين حاجات الأسرة.
 
في الطبقة الأخيرة من هذه البناية المرممة حديثًا، استذكر الأخوان تفاصيل ذلك اليوم المشؤوم الذي لا تزال آثاره ظاهرة بوضوح على الأخ الأصغر رائد، ذي السبع سنوات. فمشاهدة دخان يعلو نحو السماء كان كفيلاً ببثّ الخوف في نفسه وفي أعماق أخيه أحمد، ابن الأحد عشر عامًا. بتعابير تحاول التعايش مع انفجار مرفأ بيروت، يروي الأخ مجريات الأحداث التي عاشها. ففي وقتٍ كان يتحضر فيه للاحتفال بأخيه الأكبر يوسف وينسق خروجه للعب في حديقة الحي مع أصدقائه، فجأةً، ألغيت مراسم الاحتفال والفرح، وتحولت إلى واقعة سوداوية.
 
طفلان أصرا على أبيهما على العودة إلى المنزل، وأخبراه في اتصال هاتفي عن خطر يحوم حولهما، إلا أنّ محاولات الوالد فشلت في بثّ الطمأنينة في نفسيهما، فرضخ لمطلبهما ليصل إلى مقهى الحي لحظة وقوع الحادثة.
 
"نجونا من الموت" و"الله حمانا من هول الكارثة"، تعبيران يختصر أحمد فيهما هلعه وخوفه، ويبلسم رائد فيهما جروحه التي أصابته في بطنه وأذنه، التي رغم علاجها بقيت ندوبها نفسية.
 
بنظرةٍ ساكنة استعيدت هذه اللحظات. صوت طيران منخفض، هزة مخيفة، ومن ثمّ وقع انفجار. تهيأ لأحمد أنّ دقات قلبه وأطراف جسده توقفت لثوان معدودة. حاول تكذيب حواسه، فأغمض عينيه ثم فتحهما، ليرى أنّ ما سمعه حقيقة، والغبار والدمار خير شاهدين.
 
تسلسلُ أحداث، حاول الأخ الأصغر الهروب منها أو نكرانها: يداه يصمّ بهما أذنيه، عيناه خائفتان، وحركات جسدية تحاول كتمان ما جرى. لكنّه سرعان ما استسلم لأحاسيسه التي دفعته إلى اختصار المشهد بيد أمّه رنا وجدران الحمّام الآمنة، وبوعد قطعه على نفسه بالسفر إلى فرنسا، حيث تعمّ السكينة ويختفي هدير الطيران من أذنيه، على حدّ تعبيره.
 
قصة الأخوين لم تنتهِ هنا. ذاكرة أحمد توقفت عند تفصيلين متناقضين: صوت أبيه الذي يناديهما للنزول من المبنى، ما أزاح عن كاهله ثقل الخراب، وبيسان صديقة اللهو واللعب التي توفيت نتيجة هذا الحدث المأسوي. نعم، بيسان الطفلة عينها التي أخبرت أمها علانيةً قصتها أثناء الانفجار في برنامج تلفزيوني على إحدى القنوات المحلية. دموعُ ابن الأحد عشر عامًا تختزل هذه الذكريات بعد الانفجار، ومعها وجوه المارة المغطاة بالدم لحظة الوصول إلى مدخل البناية.
 
اللعب وحده يُنسي ما حصل ويعيد حياة الطفولة إلى الأخوين، ويبعدهما عن مجرد التفكير في تكرار المشهد مرةً أخرى. لكن، أين يلعبان في خضمّ هذين الخرابَين المادّي والمعنويّ؟!
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم