الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

الحقيقة رقم 4: سرقوا أحلامنا... ماريا وإيليا

المصدر: النهار
ليلي جرجس
ليلي جرجس
الحقيقة رقم 4: سرقوا أحلامنا... ماريا وإيليا
الحقيقة رقم 4: سرقوا أحلامنا... ماريا وإيليا
A+ A-
في منطقة المدور، تعيش عائلة قطاع، تداعيات انفجار 4 آب الذي خلّف وراءه خسائر وفوضى وذكريات مبعثرة. قصص كثيرة تسكن خلف هذا الحيّ، حيث دموع وأمل وإرادة لا تنهزم. في الطبقة الأولى، يعيش الطفلان ماريا (ابنة 6 سنوات) وإيليا (ابن الخمس سنوات)، ما عايشاه في ذلك النهار المشؤوم محفورا في ذاكرتيهما بصورة ضبابية غامضة.
 
لا يمكن ماريا أن تنسى الانفجار، فالندوب في يدها وعلى وجهها خير شاهد على ذلك. الأصعب أنها تحملت ألم تقطيب جرحها من دون بنج. كيف لابنة الـ6 سنوات أن تنسى هذا الألم أو تنسى وجه تلك الممرضة التي عالجتها. تتفادى ماريا الحديث كثيراً عن هذه التفاصيل، تعترف لي بأنها "وجعت كتير بس ما بكيت، كان بدي ضل قوية كرمال ماما وبابا". تحملت من أجل التخفيف عن والديها. آه، يا لمعجزة الصغار وما يفكرون فيه من أجل أهلهم!
 
نقول دائماً إنهم صغار لا يعرفون، لكن الحقيقة أنهم يعرفون ولا يفصحون عن ذلك. يفكرون بأحلامهم الصغيرة ويبحثون عنها وسط الفوضى والغلاء ووضع البلاد المتردي. تعرف ماريا أن كل شيء تغيّر حولها، منذ انفجار بيروت. الحياة لم تعد كما كانت، تقول: "كنا نروح ع شاليه ونضهر ونجي، هلق الدولار صار كتير وما بقى فينا نعمل كتير اشيا".
 
بهذه الكلمات البسيطة تختصر ابنة الست سنوات واقع بلد يتحكم فيه الدولار، من أصغر لوح شوكولا إلى التفاصيل الحياتية الأخرى. تريد أن تحوّل "لبنان إلى ملكة"، هذه الملكة التي تعيش بسلام وحياة هادئة وجميلة. هذا ما تتمنى أن تراه ماريا اليوم في وطنها، تريد ان تعيش طفولتها كما كانت سابقاً. هذه الغيمة السوداء التي حجبت الرؤية عنا جميعاً، تتمنى لو تختفي.
 
"كان في عتمة وغبرة كتير" هذا آخر ما تتذكره ماريا من انفجار 4 آب بعد أن تحطم الزجاج في منزلهم وتصدعت حيطانه. خرجت ماريا مع والدتها باسكال وشقيقها ايليا إلى الخارج، لم تفهم كثيراً ما كان يجري. لكنها شاهدت بأم عينها الجرحى والدمار الذي كان يغطي بيروت. من مستشفى إلى آخر، بحثاً عمن يداوي جرحها، حتى وصلت أخيراً إلى جونيه. من المدور إلى جونيه، مرّت ماريا برحلة المستشفيات والخراب ومشهد الجرحى.
 
أما شقيقها إيليا، فلا يتذكر سوى "الغبار الكثيف" وكأنه لا يريد أن يسترجع أكثر من هذه الصورة في مخيلته. الاطفال يتمسكون بما يحميهم ويُبعد عنهم الخوف والقلق. بماذا يحلم إيليا؟ يقول لي: "أريد أن أذهب إلى القمر"، لا يريد بلداً آخر وانما الابتعاد عن هذه الأرض بمن فيها. حلمه الرحيل إلى القمر، فوطنه لم يعد يُشبه أحلامه. إبن الخمس سنوات، يضحك ببراءته ويختم حديثه: "سآخذ اختي ورفيقتي معي".
 
لا يتوقف الزمن عند 4 آب، فالتداعيات كثيرة. هؤلاء الأطفال يشعرون بأزمات كثيرة ترافق لبنان ومنها الغلاء وأزمة البنزين وكورونا وغيرها. يعرفون أن حياتهم تغيّرت وأن ألعابهم التي لم تتحطم في الانفجار لا تزال تُعيد إليهم بعض الأمان والسلام الذي هزّ طفولتهم البريئة.
 
هؤلاء الاطفال من يعيد إليهم طفولتهم المسروقة والمشلعة بمشاهد العذاب والدمار والموت؟!
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم