الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

الحقيقة رقم 2: خربولنا بيتنا... إيللي

المصدر: النهار
كميل بو روفايل
كميل بو روفايل
الحقيقة رقم 2 : خربولنا بيتنا ... إيللي
الحقيقة رقم 2 : خربولنا بيتنا ... إيللي
A+ A-
بين منزل الطفلة إيللي والعنبر رقم 12 أفق فارغ وضربة حجر. والدها إيلي الشايب أوّل من صوّرته الكاميرات مضرّجاً بالدماء على الأوتوستراد مقابل منزله في المدوّر، فكان جزءاً من المشاهد التي هزّت الرأي العام اللبناني والعالمي.


بعد سنة من الانفجار، لا تزال الطفلة إيللي (7 سنوات) تتهرب من أي سؤال حول ما شاهدته يوم الفاجعة. تحاول أن تخبرنا وهي تلهو مع الهرّة لوسي وألعابها، أنها نسيت ما حصل، لكنها تخفي خلف حركتها الدائمة انفجاراً أكبر.


نرى من شبّاك المنزل إهراءات القمح الآيلة للسقوط، وبناية محاذية للبيت قال الوالد إيلي إنّ "القوى الأمنية وضعت تحتها لافتة تحذّر من أنها مهددة بالسقوط"، وإنّها "تعود لإحدى الشخصيات السياسية التي ترفض ترميمها أو هدمها".
 
اقتلع الانفجار السقف القرميد الذي يتوّج المنزل، وهدم الضغط الحيطان التي مالت 45 درجة، وتجوّفت لكونها حيطاناً رملية. روت الطفلة: "فقدت كل ألعابي القديمة، أحياناً أسأل والدي عن الخيمة التي كنت أحبها".
 
وتابعت: "شاهدتنا قريبتي التي انتقلت وأهلها من المنطقة إلى منزل الجبل عبر التلفاز، فبكيت كثيراً وقلقت علينا".
 
فجأة تتحوّل ضحكتها وخجلها من وجود الغرباء، لحظة بكاء داخلي عميق. لبرهة، تتذكّر وجه قريبتها التي بكت فتبكي. الوجع مدفون في نفوس الأطفال، حتى الذين تلقوا مساعدة نفسية جديّة.


لم يشوّه الانفجار وجه إيللي الجميل، لكنه ترك كدماته على جسدها الصغير، فانتقلت مع والديها إلى أقرب مستشفى بعد أن قدم لهما أحد الجيران المتطوع في الصليب الأحمر بعض الإسعافات الأولية.
 
أراد إيلي يومها أن يساعد جارته كلوديت التي كانت تصرخ تحت ركام منزلها، إلّا أنّ الجيران الذين لم يصابوا بجروح بالغة تكفلوا بالأمر، وعلم وهو في المستشفى أن سقوط الطابق الذي فوقها كان أسرع من تدخل فرق الإنقاذ، فذهبت ضحية الانفجار. بعد انتهاء الوالد من سرد هذه الحادثة، تدخلت إيللي، فهي أيضاً علمت أنّ الانفجار قتل والد زميلها في المدرسة.
 
خرّب انفجار 4 آب كل تعب إيلي وحطّم ترميمه للمنزل و"الديكور الذي حضّره"، لم يترك حجراً مكانه، هكذا فعل بجميع البيوت الأثرية التي تكثر في المنطقة.
أدت جمعية "فرح العطاء" دوراً بارزاً في عملية إعادة ترميم بيوت هذا الحي في المدوّر، وتكفّلت أيضاً بمنزل إيلي.
 
تدخل إيللي غرفة النوم، والأثاث فيها لم يدّشن بعد، تشير الى السرير الذي اختارته. هنا محاولة للنسيان ولتدشين الجديد. إيللي تضحك وتتنقل بخفة بين غرفة النوم والصالون حيث نجلس. تحدّثنا عن البيانو وحلمها بأن تكون موسيقية. في لبنان؟ "نعم لبنان جميل، لكنّ دبي جميلة كثيرة، أشاهدها يومياً على يوتيوب". 


يبدو إيلي منهكاً، من جرّاء تداعيات الانفجار. يجلس إلى جانب ابنته ليساندها أثناء الكلام، لكن هموم الكون ترخي بثقلها على كتفيه. الانفجار وقع على بعد عشرات الأمتار من المنزل، ودمّر الحي، وأسقط سقف منزله والدرج، ووضعه فجأة أمام مسؤولية مساعدة عائلته على إخلاء البيت، وإخراجهم منه، ثمّ الذهاب إلى المستشفى. فلم يتوانَ. لاحقاً رمّم المنزل وتابع حالة ابنته عن كثب، ونجح في هذا أيضًا. كل ذلك حصل بالتزامن مع أسوأ أزمة اقتصادية يمرّ بها لبنان، وفي ظلّ تدهور الليرة والوضع المعيشي.
 
ترددت الطفلة إيللي كثيراً خلال الكلام. أردنا أن تفصح عن مكنوناتها. سألناها عن لعبتها المفضلة، قالت "الآيباد"، وعن التطبيق الذي تستخدمه، فكان "عبارة عن لعبة يعمد أحدهم فيها إلى قتل مجموعة من الأفراد، وعلى الشخص الذي يمسك بالآيباد أن يكتشف من هو القاتل عبر استخدام الخرائط". هذا ما شرحته لنا إيللي.
 
تفضّل إيللي اللعب بـ"الآيباد" على اللعب في الخارج ومع الأولاد. وضعها الانفجار خلف الشاشة وفصلها عن الواقع. هي تبحث الآن عن قاتل يفتك بالناس داخل هذه الشاشة، وتميط اللثام عن هوية الجاني في التطبيق. عندما حاولنا ربط هذه "اللعبة" بانفجار 4 آب، قالت "لا أعرف من القاتل"، وعن ردّ فعلها في حال التقت به، جاوبت: "أوبخه"!
 
لعلّ التوبيخ عقاب قاس بالنسبة إلى طفلة في سنّ السابعة، لكن هل يكفي التوبيخ؟ وهل تقودنا الخرائط إلى الجاني لمحاسبته على ارتكابه جريمة العصر؟
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم