السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

الحقيقة رقم 1: بعد ما حدا تعاقب عالجريمة... زوزو وجيني

المصدر: النهار
ابراهيم مخزوم
ابراهيم مخزوم
الحقيقة رقم 1 : بعد ما حدا تعاقب عالجريمة ... زوزو وجيني
الحقيقة رقم 1 : بعد ما حدا تعاقب عالجريمة ... زوزو وجيني
A+ A-
على مقربة من المرفأ في منطقة المدوّر في بيروت، كان جوزيف إبن السنوات الثماني وأخته جيني إبنة الست سنوات، يدرسان في غرفة الجلوس في منزل جدتهما، في حين كان والداهما في منطقة جبيل.
 
في ذلك اليوم المشؤوم، وقعت الكارثة الكبرى. الهلع أصاب الجميع. وكأن زلزالاً ضربَ المنطقة. واجه  الولد جوزيف، الصدمة بجلب "شاكوش جدّو" بهدف كسر الباب الذي أغلقه الركام. يروي جوزيف القصة كأنّها أمس. يتذكر أدق التفاصيل، ويتأثر. كيف لا وهو من ساعد الجميع على الهروب من المنزل المُدمّر؟ فبعد تمكنه من فتح الباب، حرّر أخته الصغيرة من أسلاك التلفاز الكهربائية التي التفت على رجلها. جعلها تنتعل حذاءها كي لا تدوس الزجاج وساعدها على النزول، لتنتشر في ما بعد تسمية "زوزو بطل".
 
في ذلك الوقت، كان الوالدان قد استولى عليهما الذعر على ما قد يصيب ولديهما. هُرعا إلى بيروت. تقول الأم كارولين: "عشت مأساة، عمري كله راح على الطريق، ما عارفين شي عن ولادنا، إذا ما بشوفن خلص بموت". عند وصولها، وجدت ولديها والعائلة على الطريق، مُلطخين بالدماء. غمرتهم وجلست على الأرض لاستيعاب هول الفاجعة.
 
ثم بدأت معاناة الخروج من بيروت المُدمّرة، لا لصعوبة الطرق والزحمة، بل للمشاهد المأسوية في المدينة. تسرد كارولين هذا الجزء بتأثرٍ كبير، وتقول: "ما عارفين مصدر الانفجار. عم بطّلع ع جثث ناس ميتة، حولي الكل مدمم، ما عرفت لوين بدي روح، صرت قول دلني يا ربي لوين روح". عند الساعة الرابعة والنصف فجراً وصلوا إلى منزل أحد الأقارب.
 
الوالد أنطوني صليبي بقي يحرس المنطقة ليلاً بعد توافد عشرات الشبان على دراجات نارية بهدف السرقة على حد قوله. عند سؤاله عن المشهد وحال الحي، يقول: "ما كان في بيت، كله دمار، ولو ما حمينا المنطقة نحن، كان راح كل شي".
 
عادت الأم إلى المنزل في الصباح الباكر لتفقد الخسائر ومؤازرة أنطوني: "شفت برك الدم، عرفت ولادي شو شافوا، شافوا شي أكبر منن وما لازم يشوفوا".
 
مشاهد أثرّت على الطفلة جيني بكل تأكيد، التي تتذكر الدماء على الدرج، والمرأة المتوفاة في المبنى المُقابل، وتقول إنها لا تزال تراودها أحلام "بتخوّف"، "وأنا بدي إنسى، ما بدي حدا يحكي عن هيدا الشيء".
 
اهتم الوالدان بالصحة النفسية لابنتهما، وتعاونا مع طبيب مختص. كانت جيني في حالة دقيقة، وتعاتب أمّها على عدم وجودها جنبها أثناء الانفجار، بل وصلت إلى مرحلة لم تعد تُعبّر فيها عن مكنوناتها. بعد فترةٍ، بدأت جيني تُعبّر عن نفسها بالرسم، فكانت تختار اللونين الأسود والأحمر من بين كل الألوان الموجودة أمامها، وكانت لوحاتها عبارة عن كرة سوداء كبيرة تُلخص ما رأته هذه الطفلة في ذلك اليوم المشؤوم.
 
كنتُ أتحدث الى جيني في الشارع الذي يغوص في عتمة حالكة هذه الأيام بسبب تقنين الكهرباء من الدولة وأصحاب المولدات. كانت حركتها مفرطة، وكأنها تختزن طاقة كبيرة سرعان ما كشفت أنها نتاج لعبة "التايكواندو" الرياضية التي انخرطت فيها بعد الانفجار. 
 
تخبر جيني أنها أحبّت اللعبة التي تمنحها قوة دفاعية عن النفس وتكسر حواجز الخوف. وبات تطبيق التمرينات سلواها في أوقات مختلفة من النهار. 
 
وبينما نتحدث اليها، اقتربت سيدة تلحق بطفليها التوأم. كانت تطعمهما في الشارع عصر ذلك اليوم هرباً من القيظ، وقد بدت آثار ندوب على وجهيهما من الانفجار. "نجونا بالصدفة"، تقول السيدة، مشيرة الى أحد طوابق المبنى المقابل، "في هذا المنزل ماتت جارتنا المسنة، رحمها الله". 
 
بعد سنة على الكارثة، تؤكد والدة جوزيف وجيني أنّها تعمل على اخراج ولديها من تبعات 4 آب، لكنّهما لا يزالان تحت تأثير ما حدث. الطفلان لا يستطيعان النوم في غرفهما، وجيني تقول لوالدتها: "أنا ما بدي إكبر، أنا ما بدي موت".وكأنّ الطفولة تحميها مما هو أسوأ، لكنها لا تعلم أنّ وطننا لا يحمي الأطفال.
 
ماذا يقول الوالدان للمسؤولين؟ اختصرت كارولين ذلك بعبارة "إنتوا إرهابيين". بعد تعرّض أهالي الضحايا للضرب أخيرا قالت: "ماتت الإنسانية. شافوا شعبهم مات، وما نهزّوا عن العرش، ما بعرف ربنا شو بدو يعمل فيهم".
 
هذه العائلة كعائلات كثيرة عانت من مأساة 4 آب الماضي. مميزات هذه الرواية أنّ بطليها طفلان حُكم عليهما أن يعيشا هذه التجربة في غياب الاهل. زوزو سيبقى دائماً بطلا، أنطوني سيتعافى من هول الحدث، كارولين ستبقى تدعم ولديها، وجيني ستحب الحياة. 4 آب ليس ذكرى وطنية. 4 آب بات جزءاً من هويتنا اللبنانية، ويجب أن يغيّر الكثير.
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم