السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الدولة لا تجرؤ على فرض الاقفال في أحياء طرابلس الفقيرة... "قد تنفجر"

المصدر: النهار
جودي الأسمر
جودي الأسمر
دوار السلام في طرابلس.  (إسبر ملحم)
دوار السلام في طرابلس. (إسبر ملحم)
A+ A-

بين السعي وراء الرزق والبقاء في البيت اتقاءً للموت، لا يزال خرق الإقفال هو خيار الغالبية السائدة ضمن أهالي طرابلس في المناطق الشعبية والذين يمثلون أكثر من نصف النسيج الاجتماعي. منذ بداية فرض قرارات التعبئة خلال آذار الماضي، لم يختلف الاقفال السابق عن سوابقه قيد أنملة، على ما خلصت إليه جولة شاملة لـ"النهار" بداخل شوارع طرابلس. الجديد في المشهد إباحة إضافية يعطيها المخالفون لأنفسهم. يعتبرون أن الأرقام المهولة الأخيرة في كورونا مردها السهر والتجمعات في رأس السنة وهم غير مستعدين لتكبّد عواقبها، فيرتكبون فظائع صحية لن ترحم أحدا.

فداحة الخرق

يسيطر التزاحم والتدافع بدون كمامات وأدنى تدابير وقاية على المشهد المعتاد في سوق العطارين وسوق القمح حيث تباع الخضار والمواد الغذائية، بينما أسواق الجسر غير المستثناة من التعبئة، صارت تفتح في وضح النهار. وتحتفظ محال التل وسوق العريض ومتفرعاته وسوق الصاغة بإقفال الأبواب في الظاهر، واستقبال الزبون الذي يجد الباب مواربا أو يدق عليه ليدخل، ويحذو حذوها العديد من صالونات التجميل.

 

وإن كان تحقيق "نتاتيف" المبيعات لمقاومة الجوع حجة الفقير الذي رمته دولته على قارعة الجوع والمجهول ودمار الأرزاق، لا مبرر لمن يرتاد المطاعم والمقاهي. فالتعبئة التي أباحت فتح المطاعم ضمن ضوابط معينة، ليست واردة في قاموس العديد منها. في المناطق الشعبية لا تكتفي المطاعم بخدمة الديليفري، فنجد خلال جولتنا مثلا في شارع عز الدين الكثير من الرواد يتناولون الغداء في فرن للمعجنات. وتستمر المقاهي الصغيرة في أبو سمرا والقبة باستقبال روّاد النراجيل، بدون خوف من العقاب ينطوي عن "نحن نخرق التعبئة والدولة تعرف لكنها تغض الطرف لأنها تعلم أنّ طرابلس ستنفجر في وجهها"، على ما يختصر لنا زبون مقهى في محلّة الجسر، كان ينقل أنفاسه بين سجائر "سيدر" ونبريش معسل ينفثه صديقه.

 

ما قاله هذا الشاب نجد ترجمته بصورة لا تقبل الشك في إطاحة صارخة بقرار المفرد والمجوز، حيث تغصّ الشوارع بأرتال من السيارات، بصورة تجعل المراقب للأرقام يحتار في تكهّن ما إذا هو اليوم مخصّص للمفرد أو للمجوز، وسط زحمات سير خانقة شهدتها شوارع طرابلس الشعبية كأي يوم عادي باستثناء الأحد.

 

المستشفى الميداني

ولامست القدرة الاستيعابية للمستشفيات في طرابلس نسبة 100%، الأمر الّذي عبّر عنه طبيب الأمراض المعدية في مستشفى "دار الشفاء"، الدكتور هشام عبدو، معلنا على صفحته " الكابوس بدأ".

حاول المجلس البلدي تدارك المحظور، من خلال تسريع إطلاق المستشفى الميداني القطري. رئيس بلدية طرابلس الدكتور رياض يمق يقول لـ"النهار" أن "المجلس اجتمع الخميس وأقرّ بالاجماع صرف 300 مليون ليرة لتأهيل أرضٍ مجاورة للمستشفى الحكومي في القبة، ينصب عليها المستشفى الميداني"، بانتظار الاستحصال على خرائط إنشاء المستشفى من وزارة الصحة وقيادة الجيش. الهدف أن يخفف هذا المستشفى بواسطة 300 سرير، الضغط الكبير الذي تشهده مستشفيات طرابلس، وهي مستشفيات الحكومي وهيكل والمظلوم والشفاء  والنيني.

ويلفت يمق الى التدهور الأمني المخيف الذي شهدته طرابلس في الأيام الأخيرة، حيث "من يقوم بهذه السرقات والاعتداء على المواطنين في بيوتهم هي عصابات منظمة تستفيد من تفلت الأوضاع، وصارت تمتهن السرقة ويجب ضربها بيد من حديد. الفقير لا يؤذي. نحن مطالبون بالحماية، لكنها أولاً صلاحية الأجهزة الأمنية لأنّه في حال أقدم أي عنصر من شرطة البلدية على إطلاق النار يعاقبه القانون. نحاول قدر الامكان المساعدة في ضبط الأمن المتفلت عبر مؤازرة القوى الأمنية. وهذا ما نتبعه في الدوريات الراجلة مع قوى الأمن على الأسواق والمقاهي"، في قرار بتجنب الاحتكاك وإطلاق النار.

ويختم أنّ "كثيرين يتخلون عن وضع الكمامة بدافع تحدي الدولة، ويعبّرون عنه في مظاهرات متفرقة يقيمونها احتجاجا على الوضع الاقتصادي بدون كمامات ولا تباعد. المواطنون لا يثقون أن الكمامة ليست عقاباً لهم. أناشدهم الالتزام بها على الأقل".

 تحفّظ جمعية التجار

في مقابل الخرق العلني في المناطق الشعبية، تلتزم التعبئة بصورة تامة المتاجر في شارع عزمي وقاديشا ونديم الجسر ومحيطها، وكذلك مطاعم الضم والفرز، وهي امتداد للمدينة الحديثة والميسورة نسبيا.

أمين عام جمعية تجار طرابلس، غسان حسامي، ينقل صرخة التجار في هذه الأسواق التي تنازع لتستمر بأدنى مقومات البقاء. التجار أو ما بقي من تجار هذه الأسواق الذين ينوؤون تحت شبح الإفلاس، يلاحظون التراخي في تطبيق التعبئة في المناطق الشعبية وشدة التطبيق في بقية الأسواق.

وكان حسامي قد أعدّ في نيسان الماضي دراسة مفصلة لواقع هذه المحال تأتي بمثابة ورقة نعي لهذا القطاع، بحيث ظهر أن 57% من متاجر المنلا أغلقت أبوابها، مع نسب تزيد عن 20% في بقية الأسواق والكارثة اليوم أشد وطأة.

ويضيف لـ"النهار" أن "الجمعية تقدّر حجم الكارثة الوبائية التي حلت بنا وتنتظرنا على عتبة كل بيت. لكن التحفظات والملاحظات كثيرة حول قرار التعبئة الذي يستهدف للمرة الثالثة القطاع التجاري المنكوب، علماً أنه الشريحة الأقل مشاركة في انتشار الوباء مقارنة مع الشرائح الأخرى"، مؤكداً أن "هذه الأسواق تلتزم كافة سبل الوقاية من كمامات ومعقمات وغيرها".

وعليه، تحرص الجمعية بالتنسيق مع جمعيتي تجار بيروت وصيدا على أن "لا تتهم بإشاعة الفوضى أو بكسر القرار وبأننا نساهم في انتشار الوباء، وقررنا الالتزام بقرار التعبئة إنما تركنا لأنفسنا مهلة أسبوع للمراقبة. وفي ضوء حجم الاستثناءات والتمادي بها، على غرار ما طاول موضوع النقل العام الذي أباح منذ الاثنين السير الطبيعي، سنراقب الوضع وسنعلن عن موقف مختلف".  

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم