السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

العدالة للطفلة لين طالب: حاكموا كلّ من شارك في هذه الجريمة الوحشيّة! (فيديو)

المصدر: "النهار"
ليلي جرجس
ليلي جرجس
الطفلة الضحيّة لين طالب.
الطفلة الضحيّة لين طالب.
A+ A-

قُتلت الطفلة لين طالب مرتين، المرة الأولى بصمت وتستّر من كان من المفترض أن يكون لها مصدر أمان، والثاني عندما نزفت حتى الموت بعد الاعتداء الجنسي المتكرّر. قُتلت لين بهشاشة المجتمع الذي يتستّر على جرائم التحرّش والاغتصاب بفعل "العيب" و"شرف العائلة" والجهل وغياب المحاسبة. قُتلت لين فيما يتعرّض أطفال آخرون للبشاعة نفسها في بيوت مغلقة ووراء حيطان مخفيّة من دون أن يعرف بهم أحد.

لم تمت لين دفعة واحدة، لقد ماتت على دفعات، في كلّ يوم كان يُعتدى عليها من دون أن يأخذ أحد حقّها ويدافع عن جسدها وبراءتها، كانت تموت في صمت. مات جزء آخر من لين عندما نُقلت إلى مستشفى ولم تمكث فيه، وعادت أدراجها مع والدتها وملامح الخوف والرعب بادية عليها. وفي اليوم الأخير ماتت روح لين لأنّها لم تقوَ على التحمّل أكثر. ماتت ظلماً وقهراً وعذاباً، لم يكن جسدها وحده ينزف، كانت روحها تنزف لأنّها كانت وحيدة في وجه كلّ الوحوش المحيطة بها.

 

لم نكن لنعرف بشاعة ما عاشته الطفلة لين لو لم تمت، لم يشعر أحد بأوجاعها التي كانت تتحمّلها بجسدها الصغير، أبت عيون أفراد عائلتها أن ترى رواسب الاعتداء أو تلاحظ تفاصيل وجهها والرعب الساكن في عينَيها. لم تكن لين بالنسبة إلى المغتصب سوى "رغبة جنسية" أفرغ فيها ذكوريته المقيتة حدّ القرف، ليمزّق طفولتها وجسدها الطريّ الذي استسلم لهذه الوحشية إلى الأبد.

كانت عَينا لين تصرخان مستنجدتَين، مستسلمتَين ومتعبتَين، صورتها تفضح قساوة الجرم الذي اقترفوه في حقّها، كلّهم متّهمون ومجرمون، فالصامت عن الجريمة مشارك فيها. الكلّ يتحمّل بشاعة هذه الجريمة النكراء، والمحاسبة تبدأ بمحاكمة المغتصب أيّاً كانت هويته، وكلّ من شارك أو سكت عمّا كان يجري، لأنّ الاغتصاب لم يكن وليد اللحظة بل كان اعتداءً جنسيّاً متكرّراً لأسابيع.

الإهمال قاتل، ولقد نال من لين كما نال من غيرها أيضاً، المطلوب اليوم الكشف عن الحقيقة وإنزال أشدّ العقوبات بالمغتصب، فغياب المحاسبة والمساءلة يُشرّع ثقافة "الغاب" والقتل والاعتداء من دون رادع. 

مَن المسؤول؟ الكلّ متّهم إلى حين انتهاء التحقيقات وصدور الحكم، دائرة الشكوك تتوسّع كما الغضب والاستنكار، والخوف أن تُطمر قصّة لين كما دُفنت قبلها قصص كثيرة، ويُصار إلى "لفلفة" الفضيحة. هذه الظاهرة التي تتفاقم في ظلّ غياب التوعية الجنسية الضرورية، الأطفال المشرّدون هم الأكثر هشاشة وعرضة، من يحمي هؤلاء الأطفال من أمراض الكبار؟ من يحصّن الأطفال من فعل التحرّش والاعتداء سواء داخل منازل ذويهم أو خارجها؟

كدمات وعلامات تشير إلى وجود اعتداء، كان الجرم واضحاً ولا يمكن إخفاؤه، ومع ذلك كان صمت العائلة مريباً، فكيف نحمي الأطفال ونتفادى تكرار هذه الحادثة المفجعة؟

قصة لين ليست الوحيدة، هناك أطفال يتعرّضون لهذا الاعتداء الوحشيّ ويخافون المصارحة والحديث. الحقيقة وحدها لا تكفي بل يجب محاكمة الفاعل، ويبدو واضحاً إصرار أهل المنطقة كما كلّ اللبنانيين على كشف الحقيقة وتحديد هويّة المجرم وإنزال أشدّ العقوبات به. وقد أصدر آل طالب وأهالي سفينة القيطع في محافظة #عكار بياناً أكّدوا فيه على عدم تدخل "أي سياسي أو أيّ مسؤول لطمس الحقيقة أو إخفاء معالمها، وسيتمّ الإعلان عن اسم كلّ سياسيّ وعلناً، يتدخّل لإخفاء الحقيقة. القضاء هو الذي نحتكم إليه، وحقّ هذه الطفلة البريئة لن يذهب هدراً".

تعترف جمعية "حماية" المتخصّصة بحماية الأطفال في حديثها لـ"النهار" بأنّنا "نشهد ارتفاعاً في نسبة الاعتداء الجنسيّ على الأطفال خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وبالأرقام، ارتفعت نسبة الاعتداء الجنسي إلى 12 في المئة عام 2022، بعدما كانت النسبة 9 في المئة عام 2021.

وفي التفاصيل، سُجّلت 2335 حالة سوء معاملة وعنف على الأطفال في عام 2021، ليرتفع العدد إلى 2412 حالة في عام 2022، وسجّلت الجمعية في أوّل 5 أشهر من عام 2023، 1240 حالة.

هذه الأرقام تبقى محصورة بالحالات التي يُبلّغ عنها إلى جمعية "حماية"، فيما الحالات أكثر بكثير وهي ما زالت قيد الكتمان لأنّنا في مجتمع محكوم غالباً بثقافة العيب وضرورة "لفلفة" القصة.

لذلك تشدّد "حماية" على أهمية التوعية حول مخاطر هذه السلوكيات الخاطئة وكسر حاجز الخوف والصمت، والعمل على تغيير الثقافة السائدة وأهمية الإبلاغ المبكر عن أيّ حادثة يتعرّض لها أيّ طفل حتى لا يقع في المحظور. وأحياناً يدفع الأطفال ثمن هذا الصمت والتغاضي والخجل حياتهم، فيما العقوبات ما زالت أقلّ من حجم هذه الجريمة.

كيف نحمي أطفالنا؟

- تشجيع الأطفال على الكلام والتعبير عن مشاعرهم وإعطاؤهم المساحة الآمنة لذلك.

- كسر حاجز الصمت عبر التبليغ وحثّ الآخرين على التبليغ عن حالات العنف ضدّ الأطفال.

- توعية الطفل على مفهوم الخصوصيّة، وتزويده بالمهارات اللازمة لحماية نفسه.

- التنبّه إلى أيّ تغيّر في تصرّفات الطفل.

- التواصل اللاعنفيّ مع الأطفال.

يكشف الواقع اليوم أنّ الأطفال في لبنان يعيشون في بيئة هشّة وغير آمنة، حيث يتعرّضون لمختلف أنواع العنف في ظلّ تردّي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية أكثر فأكثر.

وقد كشف تقرير نشرته "اليونيسف" في حزيران كيف أثّرت الأزمة المتعدّدة الأوجه في لبنان على مختلف جوانب الحياة الأسريّة. وأكّد حوالى 53 في المئة من المستطلعين أنهم كانوا أقلّ تسامحاً تجاه سلوكيات أطفالهم، وعاملوهم بقسوة لم يعهدوها من قبل.

نتیجة لذلك، شعر ستة من كلّ 10 من ھؤلاء أي (59 في المئة)، بالحاجة الماسة إلى الصراخ على أطفالهم. وشعر اثنان من كلّ عشرة أي (21 في المئة)، بحنق شدید كاد یؤدّي الى استخدام الضرب. وأعرب ستّة من كلّ عشرة من مقدّمي الرعاية أي (57 في المئة)، عن عدم سعادتهم، وتوقّع 27 في المئة تأزّم الوضع بعد، وأن تسوء حياتهم أكثر.

في المقابل، قال سبعة من كلّ عشرة من مقدّمي الرعایة أي (66 في المئة) إنّ اطفالھم بدوا قلقین، متوتّرین ومضطربین. ونصف ھؤلاء تقریباً أي (47 في المئة)، قالوا إنّ أطفالھم بدوا حزینین للغایة أو یشعرون بالاكتئاب بشكل متكرّر. وقال أكثر من ستّة من كلّ 10 من مقدّمي الرعاية أي (62 في المئة)، إنّ رفاهية أطفالهم ساءت خلال العام الماضي.

 

وعن نسبة حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال المبلّغ عنها، أكّدت "اليونيسف" أنّه "تظهر بيانات قطاع حماية الطفل أنّ 5 في المئة هي نسبة حالات اعتداء سجلت من مجمل حالات حماية الطفل من العنف. ونعرف تماماً أنّ التقارير المتعلقة بحالات الاعتداء الجنسي والاغتصاب على الأطفال ما زالت خجولة ولا يتمّ الإبلاغ عن كثير منها. ويعود سبب ذلك إلى ثقافة إلقاء اللوم على الضحيّة، وحساسية العلاقة في هذه الحالات خصوصاً أنّ غالبية الاعتداءات تكون داخل المنزل".

ومن الضروري التشديد على حق الضحية بالخصوصية و السرية و عدم تناول اسمها على كافة المنصات حتى في حال الوفاة ، وذلك تماشيا مع سياسة حماية الطفل في الإعلام.
 

كيف يمكن للوالدين الكشف عن تعرّض طفلهما للتحرّش؟ وما علامات الاعتداء الجنسيّ؟ وكيف يمكن مساعدة الأطفال على حماية أنفسهم من المغتصبين؟

تشير "اليونيسف" إلى بعض العلامات التي يمكن أن تساعد الأهل والتي قد تكون بمثابة جرس إنذار أو تنبيه:

* انعزال الأطفال، وقد يرفضون مقابلة أحد، أو يرفضون أيّ تواصل في المكان الذي يكون فيه المتحرّش أو المغتصب، ورفض الذهاب إلى المدرسة.

* قد يعرّض الأطفال أنفسهم لسلوك جنسيّ جديد يتجاوز أعمارهم، واستخدام كلمات جنسية جديدة، وبعضهم قد يبدأ بملامسة أعضائه الجنسية.

* يبدأ الطفل بأذية نفسه، البكاء، عدم الأكل جيداً، عدم النوم جيداً، التبول اللاإراديّ، قد تكون هناك إصابات أو علامات ظاهرية، كدمات، اكتئاب، أفكار انتحاريّة، آلام جسدية من دون سبب، تراجع مدرسيّ، خسارة وزن...

وتوضح "اليونيسف" أنّ علامات الاعتداء الجنسي قد تختلف من طفل إلى آخر، وكذلك ردّات أفعالهم والعلامات حسب أعمارهم. ولكن من المهمّ أن نعرف أنّ الأطفال سيعبّرون بطريقة ما في محاولة لشرح معاناتهم أو أنّ شيئاً سيّئاً حصل، فسلوك الطفل هو لغة بحدّ ذاتها، وسيبدأ الطفل باستخدام اللغة اللفظية عندما يكبر أكثر.

في حالات الاعتداء الجنسيّ، قد يلوم الأطفال أنفسهم، لذلك من الضروري إيصال الرسالة لهم بطريقة صحيحة، وأن يعرفوا أنّ ما جرى ليس خطأهم. لذلك تكمن أهمية الدعم المتخصّص للضحية والعائلة أو مقدّم الرعاية على حدّ سواء وطلب المساعدة من الجمعيات التي تُعنى بهذا الشأن، (والاتصال على الخطّ الساخن لجمعية حماية 03-414 964 و جمعية كفى 03-018019)، للعمل على التخلّص من الشعور بالذنب ووصمة العار، وتفادي مخاطر تعرّض الطفل للاعتداء في المستقبل، ولتحصينه نفسياً.

 

ما النصائح التي يمكن تقديمها لمقدّمي الرعاية لحماية أطفالهم؟

- الحفاظ على علاقة صحّية وجيدة مع أطفالكم، والاستماع والتحدث إليهم في كلّ الأوقات. من المهمّ معرفة أنّ الاستماع إلى الأشياء الصغيرة يساعد الطفل على الشعور بالارتياح لمشاركة المواضيع الأكثر حساسية في مرحلة مقبلة.

- من المهمّ أن يشعر الطفل بأنّه محبوب ومرغوب به، بغضّ النظر عما قد يحدث، سواء الرسوب في المدرسة أو حدوث شيء سيّئ، حتى يتمكّن من التحدّث والشعور بالثقة والأمان.

- يجب على مقدّمي الرعاية توعية الطفل على التربية الجنسية في وقت مبكر، وأهمّ هذه الرسائل المهمّة التي يجب إيصالها إلى الطفل أن يعرف حقوق جسده، حدود جسده وخصوصيته. ولا يحقّ لأيّ شخص أن يلمسه بشكل غير لائق. وإن لم يكن الطفل مرتاحاً لأيّ لمسة فعليه الهرب وإطلاع ذويه على ما حصل.

- أهمية تدريب الطواقم الطبية لاكتشاف وتشخيص حالات الاعتداء أو التحرش الجنسي.  إذ يؤدّي القطاع الطبي دوراً أساسياً ويعتبر المدخل الأساسي للتبليغ عن حالات الاعتداء الجنسي.

- تقديم بعض النصائح مثل عدم المشي بمفرده ليلاً، وإذا حصل شيء سيّئ أو إذا لمسه أحد بطريقة غير لائقة، فعليه الهرب والركض والصراخ وطلب المساعدة من شخص بالغ موثوق به.

أمّا إذا تعرّض الطفل لاعتداء جنسيّ، فيجب أن يبلّغ عن المعتدي في أسرع وقت ممكن.

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم