السبت - 04 أيار 2024

إعلان

الآدمي علي المسمار... الفاصل سوف يطول

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
الزميل علي المسمار... وداعاً.
الزميل علي المسمار... وداعاً.
A+ A-
 
عانى السرطان حدّ الفظاعة، ومرَّ بمراحله من النحولة والتحمّل والصبر والمعركة، ثم أتى خبر الرحيل، فحلَّ فجّاً، مثل الأيام. هذا صباح علي المسمار، الزميل الأنيق في خُلقه وابتسامته، الراحل بعد عذابات، ولشدّة الحزن، سبق الإحساسُ بالدمع نورَ الشمس وفتْح النافذة نحو يوم جديد. رحيلٌ يُشعل الأنّات، ولو أنّه في المنطق الطبّي للأشياء قد يكون أقل مفاجأة بعد ويلات الآلام وأصواتها الصاخبة. بأمان الله، تُقال للشهداء، فتتصدّر "تويتر" برحيله، وتوقظ غصّة الوداع، هذه التي ما إن تنام حتى تهبّ، ولا تُبقي لحماً على عظم.
 
الصبر أحياناً، يهدّ. المرء، إن كان قوّة جبّارة، فهو جسد، وللأجساد قوانينها وطعناتها، فلا دائماً هي جبال، ولا دائماً هي عناد. وإن شئنا وصف علي المسمار، فنختار له الوصفين: الإنسانية وهذا الصبر. يُجمّل العبرة من الوجع ويؤكّد عظمة التحمّل مهما تمرّد المرض وتنمرد، وراح يتمدّد في الأنحاء، مُسبّباً الوهن وفقدان الوزن والارتماء في الفراش. وبرغم ذلك، جابه، وتغلَّب، مرّة ومرّتين والمرّات، فعاد إلى هواء "المنار" بعد غياب، ولاقى الأحبّة بعد شقاء العلاج. ثم باغته اللعين، وعاد إلى التسلّل، فأرهق صاحب الإرادة، ومَن قال يوماً في مقابلة مع "النهار" بعد العودة إلى الشاشة، إنّه يُسلّم لحكمة الله، في الصحّة وفي المرض، وكلّ الأحوال. آنذلك، لمعت ابتسامته الصادقة، من الهاتف، وهو يتكلّم بإيجابية وعزيمة، ويرفض التذمّر على القدر ومعاتبة مشيئة الله. يتسبّب الرحيل بحزنين؛ الأول هو بديهيّ تجاه منطق الموت، والثاني هو أخلاقي تجاه البشر الطيّبين، الآدميين، وهم القلّة في غابات التوحّش وبيع الضمير. فأسى رحيل علي المسمار، ليس حكراً على فئات، بل يشمل مَن كلّمه أو عرفه وتابعه، فالرجل، وبانتمائه العقائدي، لم يسدّ الأبواب على الآخر، ولم يُشيطن الرأي المختلف، كان أستاذاً في المهنة، وإنسانَ أخلاق وقلب.
 
حجز له مشهديات في الذاكرة، أيام قانا وحرب تموز، فقرأ الخبر بالدمع. يحضر بسطوع في وجدان الجماعة، حدّ التماهي التام مع قضيّتها، مُبقياً ما يجعله محترماً من الجميع، وهما الطيبة والنُبل. لا تُخلّد الحياة بشراً، وكلّ مَن على الأرض إلى زوال، لكنّ علي المسمار يستريح فحسب من الحِمل، بعدما كلّفه اختبارات باهظة، وأوجاعاً مبرحة، حوّلها بأسرها إلى درس. تبقى الابتسامة والروح الجميلة، والسُمعة والبصمة والفارق في الأداء والسلوك. لكَ الاستراحة المستحقة بعد الليالي الطويلة، والاحترام والحبّ. الفاصل سيطول، أستاذ علي. ومَن يواصلون بصدق، قلّة.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم