الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"النهار" بعد عام على الانفجار... صرحٌ واجه المقتلة وورشة ترميم لم تكتمل

المصدر: النهار
ديانا سكيني
ديانا سكيني
من مشاهد الدمار في "النهار" بعد الانفجار (نبيل إسماعيل).
من مشاهد الدمار في "النهار" بعد الانفجار (نبيل إسماعيل).
A+ A-
يُحمَد الله ألف مرة على سلامة الزملاء. عصفُ الانفجار لم يقوَ على الروح، وإن خلّف جروحاً وندوباً عميقة في الجسد والنفس. لحظة انفجار 4 آب، هزّ مبنى "النهار" وتناثرت واجهاته الزجاجية في كلّ مكان. 20 زميلاً أصيبوا بجروح متفاوتة، وتحوّلت المكاتب ركاماً. الصدمة العنيفة لم تبارح الوجدان. 
 
"النهار" التي ودّعت شهيداً تلوَ شهيدٍ في انفجارين سابقين أوديا بحياة جبران تويني وسمير قصير، كانت بحجرها وكلّ من فيها ضحية أعتى انفجار أصاب العاصمة. 
 
 
أتت الضربة بعد سلسلة من الأزمات الاقتصادية ومحاولات نهوض وتجدّد مستمرة، تعاند اليأس ومحاولات القتل وتهديد الوجود. كان آخرها في عيد "النهار" الفائت، أي في 4 آب 2020، مع تدشين مشروع الموقع العربي والستوديو الجديد، وأقيم يومها احتفال للمناسبة، حضره عددٌ كبيرٌ من الزملاء، وكان الأمل يحدو الجميع بالخروج الى رحاب أوسع وتجاوز التحديّات المتزايدة. 
 
المشهد الاحتفالي تحوّل عند الساعة السادسة وسبع دقائق كارثة سوريالية. زملاء غطت وجوههم الدماء، واخترق الزجاج الأجساد. الأعجوبة وحدُها تصحّ وصفاً لصدفة النجاة في مكاتب يلفها الزجاج من كلّ جهة. 
 
عاصفة من الزجاج والغبار والركام تحجب كلّ شيء. مكاتب الموقع العربي الذي احتفينا به ظهراً دمرت، ومعها مكاتب التحرير والادارة والستوديو والأرشيف. 
وقفت رئيسة التحرير نايلة تويني على الركام تحاول استقدام المساعدة والاسعاف، ولا أحد يعلم متى يقع الانفجار الثالث. في تلك الليلة الرهيبة، استمَرَ عمل الموقع الالكتروني ووزَع الزملاء على الأرض في مهمات العمل رغم حالة الانهيار التي سكنت النفوس، وأصرّ مدير التحرير غسان حجار على إصدار الصحيفة الورقية، كيف لا و"النهار" صدرت بعنوانها التاريخي "جبران تويني لم يمت والنهار مستمرة"، بعد الفاجعة التي ألمت بها في العام 2005. 
 
 
 
في صباح اليوم التالي، بان هول الكارثة  بوضوح أكبر. دمعة حارقة وقهر كثير. صور الشهداء وما بقي من أثرهم، لم تسلم. الجبال يهزها توالي الضربات. ساعات قليلة، وبدأ رفع الركام واستيعاب الصدمة والعمل على إحصاء الأضرار الهائلة التي انقسمت الى أضرار داخلية وأضرار مشتركة مع المبنى المنكوب. ولكن النظر الى شهداء الانفجار وذويهم والجرحى والمفقودين، كان يخفف وطأة المصيبة، ويجعلُ الأولوية للعمل فوق الركام ومساندة المنكوبين. 
 
شهدت مكاتب "النهار" حركة لافتة للمتطوعين الذين ملأوا بيروت حبّاً بعد الانفجار، مسجّلين مشهداً جميلاً من التضامن الاجتماعي. وهؤلاء ساعدوا في رفع الركام وكنس الزجاج وجمع أغراض المكاتب المتناثرة. 
 
لم تحصل "النهار" على أي تعويض رسمي ولا من شركة التأمين خلال الفترة الماضية. 
 
وتقدّر اليوم أضرار مكاتبها الداخلية بنحو مليون دولار أميركي، باستثناء الأضرار المشتركة مع باقي طوابق المبنى،  وتشمل الواجهات والمصعد وغيرها، ويبلغ إجمالها نحو 4 ملايين دولار أميركي. 
 
وتنقسم الأضرار الداخلية الى ما طال الامدادات الكهربائية و"السرفيرات" والسقوف والانارة والجدران والزجاج الداخلي. أضف الى أضرار المكاتب وأجهزة الكومبيوتر والستوديو والكاميرات وغيرها.
 
ولـ"النهار" معزّة في قلوب كثر، ومنهم من قرّر الوقوف الى جانبها في محنتها الجديدة. شركة "أشادا"، كان  أصحابها من هؤلاء الذي أرادوا ترميم الدمار ما أمكن وتسهيل عودة صحافيي "النهار" الى مكاتبهم. 
 
المدير العام في الشركة جو نعمة يتحدث عن منبر مستقلّ دفع دماً ثمن الاستمرار، يستذكر جبران تويني وسمير قصير، ومكانة الصرح الصحافي التاريخية في بيروت. قسّمت الشركة العمل على مراحل. الأولوية كانت لتسكير الواجهات لما تمثّله من خطر، فاعتُمدت الواجهات الخشبية مع النوافذ. في المرحلة الثانية، جرى تأهيل الطابقين الخامس والسادس، والعمل على إصلاح السقوف والقيام بالدهان وتنفيذ إمدادات الالكترونيات. الى تركيب الواجهات الزجاجية الداخلية التي تفصل بين المكاتب وباحات التحرير. 
 
دوافع "أشادا" للمساهمة في إعادة الترميم الداخلي في "النهار" تنهل أيضاً من أسباب شخصية وعاطفية تتعلق بمن فقدوا حياتهم أثناء الانفجار في المبنى. 
وفي بيروت، ساهمت فرق الشركة في العمل الأولي على المباني الآيلة للسقوط في أحياء مار مخايل والجميزة والكرنتينا، كذلك قدّم فريق من مهندسيها المساعدات الترميمية الفورية التي تساعد عوائل شُردت من منازلها على السكن بشكل آمن. هو واحد من مشاهد التضامن الاجتماعي البهيّ، ولصانعيه الشكر. 
 
والى ذلك، ساهمت غرفة الصناعة والتجارة والزراعة في بيروت وجبل لبنان في تركيب واجهات زجاجية داخلية كما فعلت مع الكثير من المحال التجارية والمطاعم في الجميزة ومار مخايل. 
 
بعد فترة وجيزة من الانفجار، كانت حركة الصحافيين ونقاش المشاريع والأفكار، تدبّ تدريجياً في مكاتب "النهار". الحياة في كل تلك الثنايا التي دمرها الانفجار. الاعمار والترميم لم يكتملا في المبنى، وشواهد الكارثة لا تزال كثيرة وكثيرة، لكن تجاوز المحن فعل حياة. 
 
تبلغ اليوم "النهار" الـ89 عاماً، يجتمع صحافيوها وموظفوها حاملين الورود لاحياء الذكرى وتوجيه تحيّة الى ضحايا الانفجار، وللتأكيد بأن "النهار" تشبه بيروت، لا تنهزم ولا تنكسر، رغم الوجع والركام. قرب الميناء المتوسطي المنكوب، صرحٌ يحاكي البحر بالقلم ويعدّ بمداواة الجروح وملاحقة المتورطين في صنع مقتلة أحلام المدينة وناسها.
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم