الجمعة - 10 أيار 2024

إعلان

قائد الجيش... رئيسٌ لا يصنع المعجزات

المصدر: "النهار"
رولان خاطر
جوزيف عون.
جوزيف عون.
A+ A-
هدأ جرس الحلبة البرلمانية في ساحة النجمة ودخل الأطراف في وقت مستقطع لتُستعاد الحماوة مع بداية السنة الجديدة. مشهدُ العام أُقفل على لاءات ثلاث، "لا" رئيس، "لا" حوار و"لا" توافق. وبدل أن تشكّل المسافة الفاصلة عن أول جلسة في العام المقبل مساحة مشتركة أو نضوجاً للعبة الديمقراطية، فكان أن تكدّست أكياس الرمل لتبنيَ متراساً تخرقه فقط تسوية دولية إقليمية.
 
هذه التسوية يحتاج نضوجها أوّلاً إلى تلاقي القوى المعنية بها والمؤثّرة في الساحة اللبنانية، وهذا ما لم يحصل بعد، باستثناء بعض الوساطات والدعوات إلى التلاقي، ومحاولات فرنسية لجمع الجانبين السعودي والإيراني على طاولة واحدة، لتأثيرهما في عدد من الملفّات وحضورهما في "العواصم الأربع" بدءاً من بيروت ودمشق وبغداد وصولاً إلى صنعاء. ومعادلة "السعودية – إيران" لطالما اعتبرها الرئيس نبيه بري الوسيلة الأنجع والأسرع للحلول اللبنانية، ومنها قد يتمّ الولوج إلى حلول للملفّ الرئاسيّ اللبناني. وعلى الرغم من أن لا مؤشرات مضمونة على مثل هذا الحوار، إلّا أنّ لا موانع من حصوله، وإن بطرق غير مباشرة، للوصول ربما إلى قواسم مشتركة في عدة ملفات وفي طليعتها، رئيس جمهورية لبنان. خصوصاً أن الاتجاهات، وسط المراوحة والشروط المضادة، باتت تؤشر إلى وجهة لا بل إلى اسم المرشح الذي قد يعتلي سدّة الرئاسة الأولى.
 
فبعد مفاتحة الجانب القطري للنائب جبران باسيل باسم قائد الجيش جوزف عون، والدور المحدود الذي تلعبه قطر في الاستحقاق اللبناني، كان لافتاً ما نُقل عن السفير السعودي في لبنان وليد بخاري في لقائه الأخير مع البطريرك بشارة الراعي، "إنّ المطلوب رئيس مقبول من الجميع وأن يكون على علاقة جيدة بمختلف الدول وان البطريرك الراعي فهم من كلام بخاري أن المملكة تحبّذ رئيساً لا ينتمي إلى أيّ محور سياسيّ". وفي الترجمة السياسية لهذا الكلام، أنّ قناعة بدأت تتبلور لدى الأطراف الإقليمية والدولية باستثناء طهران، بضرورة انتخاب رئيس للبنان من خارج المحاور، ولكن يملك القدرة على الجمع بين طرفي النزاع في لبنان، ويكون له القدرة والمواقف التي تحمي القرار السيادي اللبناني. وهذا يعني تضاؤل فرص سليمان فرنجية، وكل الأسماء المطروحة من الضفتين المتنافستين، لصالح هذه الشخصية التي فُهم أنها قد تكون قائد الجيش العماد جوزف عون. مع العلم، أن لا موانع لدى بكركي تجاه قائد الجيش، وكذلك من "القوات اللبنانية" اذا حصل إجماع على شخصه.
 
هذا لا يعني أنّ الطريق ستكون معبّدة لانتقاله من اليرزة إلى بعبدا، أولاً للمعارضة الشديدة التي يلقاها من رئيس "التيار الوطني الحرّ"، وثانياً، لثِقل الشروط والمحرّمات التي ستضعها قوى الممانعة، والتي بحسب البعض، بدأت بالرسالة الأبرز عبر حادثة الاعتداء على اليونيفيل في العاقبية، والتي يقول عبرها "حزب الله" إن السيطرة له في الأماكن الحساسة في الجنوب وخصوصاً في جنوب الليطاني، وإنّ تجاوز الخطوط الحمر التي وضعها الحزب لجهة سلاحه ووضعيته في السلطة، كفيل بضرب الاستقرار وقلب الطاولة رأساً على عقب.
 
هذا المعطى، بحسب متابعين للشأن الرئاسي، يؤشر إلى أنّ جوزف عون في قيادة الجيش، لن يكون هو ذاته في رئاسة الجمهورية، فالتحدّيات أكبر من أن يستطيع تدوير الزوايا بشأنها، خصوصاً إذا تعلّق الأمر بـ"حزب الله" وسلاحه، الملفّ الخلافي الأكبر بين اللبنانيين وهاجس السياديين. والجواب للقوى السيادية في هذا الإطار، هو أنّ قائد الجيش على يقين أنّ هذا الملفّ أكبر منه وأكبر من لبنان ومن الرئاسة ومن شخصية الرئيس، وحلّه لا يكون داخلياً، بل على طاولة القوى الدولية والإقليمية، وبالتالي، جلّ ما سيقوم به على المستوى الأمني هو ضبط اللعبة الأمنية على الأرض، وسياسياً الحفاظ على علاقته المتوازنة مع كلّ الأحزاب والأطراف، بما فيها "حزب الله"، علماً ان العلاقة مع الأخير لا تميّز ولا تمايز فيها عن البقية، باستثناء أن "الحزب" يمتلك السلاح. ودولياً، صيانة ما نسجه من علاقات خلال قيادته للجيش.
 
لا يعني هذا الكلام تبديد مخاوف "الحزب" ولا حيازة موافقته على جوزف عون، لأنّ كلام النائب علي عمّار عن "عدم وجود فيتو على قائد الجيش" محا اتهامات السيد حسن نصرالله سابقاً لقائد المؤسسة العسكرية بأنه تابع للأميركيين، علماً أن كلام عمار لم يكن ليصدر من دون مباركة القيادة الحزبية. مع التأكيد أنّ "الحزب" حتى الآن لم يطرح قائد الجيش كمرشّح حلّ للاستحقاق الرئاسي، وأنّ أحداً من جانبه لم يفاتح قائد الجيش بالموضوع، ولا بشروط ولا بقواعد محدّدة، حتى في اللقاء الذي جمعه مع رئيس جهاز الارتباط والتنسيق وفيق صفا لم يتمّ التطرّق فيه إلى السياسة، بل إلى المواضيع الأمنية التي تُبحث بشكل دوريّ بين الطرفين من خلال الزيارات الدورية التي يقوم بها صفا إلى قائد الجيش. ويضع متابعون التسريب الذي حصل للقاء في إطار الرسالة التي أراد الحزب توجيهها إلى باسيل على أنّ لدى الحزب خيارات أخرى وهو غير مستعدّ للخضوع للابتزاز الحاصل من قبله.
 
هذه المعطيات قد لا تطمئن السياديين بشكل كلّي، لكنّها لن تجعلهم خارج شروط اللعبة، نظرًا إلى التماسك الموجود بين القوى الأساسية، أي القوات والاشتراكي والكتائب بشأن الخطوط الاستراتيجية والملفات الوطنية الكبرى، وحرص وإصرار البطريركية المارونية على أن تكون المرحلة المقبلة مختلفة في الجوهر عن سابقاتها.
 
هل آمال قائد الجيش كبيرة ووصوله محتوم؟ بحسب المتابعين، لا يبني قائد الجيش جوزف عون على فرضيات. الأمور بالنسبة إليه رهن ساعتها، في بلد محكوم بالتوافق بين الأطراف السياسية والطائفية والحزبية. وأيّ حلول في المرحلة المقبلة يجب أن تنطلق من الواقعية أوّلًا، ومن مصلحة لبنان ثانياً، ومن قناعة القوى السياسية بضرورة الحلّ ثالثاً، واذا لم تمتلك كلّ هذه الأطراف النية والجدية والحسّ الوطني فلا حلول سحرية في الأفق ولا أمل بأيّ تغيير، فلا عصا سحرية للرئيس، ووحده لا يصنع المعجزات.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم