الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

الترسيم البحري مع سوريا وقبرص: التفاهمات أقرب من الخلافات

المصدر: "النهار"
سفينة إسرائيلية في المياه الدولية بين لبنان وفلسطين المحتلة (أ فب ).
سفينة إسرائيلية في المياه الدولية بين لبنان وفلسطين المحتلة (أ فب ).
A+ A-

رولى راشد 

مع التهليل بالشعارات احتفالاً بتحقيق الإنجازات من خلال ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل من جهة، التي تقابلها مواقف ساخرة ميّالة الى وصف المسألة بفقاعات من جهة ثانية، يبدو حتى الساعة أن اتفاق الترسيم قد تمّ بسلام ووئام، رغم انتفاضة البعض المتسلّحين بالوثائق العلمية الآيلة الى وضع ما تمّ في خانة التفريط بالحقوق وتحت وطأة الضغوط.

اليوم، الأنظار مشدودة الى إيجابيات الحدث مهما تعدّدت الآراء حوله، ولكن أيضاً ثمة من يترقب حال الأمور عند فتح ملف الترسيم البحري شمالاً مع سوريا، وقد بات ملحّاً بعدما وعد به رئيس الجمهورية في آخر أيام عهده، الى جانب ضرورة حلّ المشكلة مع قبرص.

كذلك تدور في الكواليس أهمية دخول الشركة القطرية على خط النفط في لبنان.

 

يتداخل البلوك رقم (1) السوري مع البلوكين (1) و(2) اللبنانيين، وكان الجانب السوري قد صادق على تلزيم البلوك (1) لصالح شركة "كابيتال" الروسية بموجب القانون رقم 10 بتاريخ 9 آذار 2021.

وفق المؤرخ الدكتور عصام خليفة "إن النهر الكبير يُعدّ حدّ الترسيم بين لبنان وسوريا، وتعتمد نقطة "سرير النهر" أي خط الوسط في مجرى النهر، وتنطلق منها الحدود البحرية اللبنانية وفقاً للقانون الدولي للبحار".

مساحة البلوك (1) اللبناني تبلغ 1928 كيلومتراً مربعاً، أما البلوك (2) فمساحته 1798 كيلومتراً مربعاً، أما المساحة المتداخلة بين لبنان وسوريا فتراوح بين 750 و1000 كيلومتر مربع، وهي ستتسبّب بنزاع بين البلدين، لأنه في عام 2011 أصدر لبنان المرسوم 6433 وأعلن حدوده البحرية، وقد أودعت سوريا اعتراضها لدى الأمم المتحدة في عام 2014 على الموقف اللبناني وترسيم البلوكين (1) و(2)، بسبب الاختلاف في طرق الترسيم، مستندة في ذلك إلى أن لبنان اعتمد في ترسيمه المعايير التي تقرّها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، على خلاف سوريا التي لم توقّع الاتفاقية. 

إذن رغم حسن الجوار يبقى أمام الترسيم في هذه المنطقة بعض العراقيل، فهل رئيس الجمهورية يحمل الضمانة لحلّ أي نزاع؟

وهل الحرب الروسية الأوكرانية وما أسفرت عنه من عقوبات تسمح بإنجاز التنقيب في الجانب السوري من قبل الشركة الروسية "كابيتال"؟

زهر

الاختصاصي في النفط و الغاز المهندس عبود زهر يرى "أن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا هو أسهل وأسرع. ومن البديهي أن يكون ذلك لأن المفاوضات ستكون مباشرة بين الطرفين، وبالتالي، سيتّم التفاهم بين الطرفين على قاعدة يصبح معها الترسيم سريعاً. ولكن يجب إيجاد الوقت المناسب، سواء على صعيد العلاقات بين البلدين أو الأجواء السائدة في المنطقة".

ويُذكر أنه في آذار2021، فوجئ لبنان بتوقيع الرّئيس السوري على عقد مع شركة "كابيتال"الروسية للتنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما في البلوك البحري رقم (1) الواقع في المنطقة الاقتصادية الخالصة لسوريا، مقابل ساحل محافظة طرطوس والممتدّ حتى الحدود البحرية السورية – اللبنانية، بمساحة 2250 كلم2. وتبيّن الإحداثيات المذكورة في العقد حدود البلوك الملزّم الذي يتداخل كثيراً مع البلوكين رقم (1) ورقم (2) من الجانب اللبناني، أي ما يُقارب 750 كيلومتراً مربّعاً داخل الحدود البحرية اللبنانية".

ويقول لـ"النهار": "مدّة العقد على مرحلتين، الأولى هي فترة الاستكشاف ومدتها 48 شهراً تبدأ عند توقيع العقد، مع إمكانية تمديدها الى 36 شهراً إضافياً بطلب من الشركة، والفترة الثانية هي مرحلة التّطوير والإنتاح ومدّتها 25 عاماً، قابلة للتمديد لخمس سنوات إضافية. أمّا متطلّبات الحدّ الأدنى المفروضة على الشركة الملتزمة فتُعدّ متدنية مقارنةً بعقود مشابهة، إذ يلزم العقد المقاول في فترة الاستكشاف الأولى فقط بمسح زلزالي ثنائي الأبعاد لـ500 كلم طولي وثلاثي الأبعاد لـ200 كيلومتر مربّع وحفر بئر استكشافي واحد. وأن يكون الحد الأدنى لمجموع نفقات التنقيب 13 مليون دولار أميركي.

إذن، تُعدّ المنطقة البحرية الحدودية مع سوريا نقطة نزاع منذ عام 2011، فقد حدّد لبنان منفرداً النّقطة الحدوديّة رقم (6) وأبلغ عنها الأمم المتحدة في عام 2010، وأعاد تصحيحها في عام 2011 بتثبيت النقطة رقم (7) وتمّ تبليغ الأمم المتحدة إثره. وبعدما رسّم لبنان منفرداً حدود منطقته الاقتصادية الخالصة الشمالية، عمدت سوريا إلى القيام بالممارسة ذاتها لجهة ادّعاء ملكيّة قسم من المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان. ولم تعترف بما سَمّته ترسيماً أحادياً من الجانب لبنان، لذا أقدمت عام 2014 على تقديم اعتراض في حق لبنان إلى الأمم المتحدة يفيد بأن التّرسيم الذي أجراه لبنان عام 2011 يعنيه وحده ولا تعترف هي به، وأنّ ما يعنيها هو القانون السوري رقم 10 فحسب، الّذي تستند إليه لترسيم الحدود. إنّ طريقة ترسيم الجانب السوري لبلوكاته تتضارب مع الطريقة القانونية التي رسم بها لبنان حدوده البحرية مع الجانب السوري، ما أنتج هذا التقاطع في البلوكات. 

هذا مع العلم بأنّ العقد الموقّع يعترف بوضوح في الملحق رقم (1) وصف المنطقة، (صفحة 128) بإشكالية حدود البلوك مع لبنان إذ يلزم المقاول بكافة المعاهدات والاتّفاقيات الدّولية المستقبلية بين الحكومتين السورية واللبنانية بخصوص إحداثيات البلوك الجنوبية. فالبند حول عدم نهائية الحدود الجنوبيّة للبلوك رقم (1) وفقاً لما حدّده الجانب السّوري أقرّ به المشرّع والرّئيس السّوري. لذا، التّفاوض مع الدّولة اللّبنانية لترسيم الحدود بحسب قانون البحار والقوانين والأعراف الدّوليّة أصبح امراً ملحّاً".

ويضيف: "اليوم، الأشغال في البلوك السوري شبه متوّقفة، لأن الاوضاع الاقتصادية والحصار وما يرافقها من عقوبات متزايدة على الشركات الروسية التي لم يعد باستطاعتها إنجاز أي تحويلات لا تساعد على استكمال التنقيب. ومن المعلوم أن الشركة الروسية التي رسا عليها الالتزام من الجانب الروسي غير معروفة، ولاتملك خبرة وافية للتنقيب في المياه العميقة. 

هي اسم جديد في عالم النفط والغاز. تأسّست سنة 2017، متّخذة محل إقامة في سان بطرسبرغ ومسجّلة في السجل التّجاري الرّوسي تحت الرّقم 7806294969، ما يثير الشّكوك بقوّة حول أعمالها ويمكن أن تكون مجرّد واجهة لأشخاص نافذين سياسياً. بغضّ النّظر عن أيّ فساد مرتبط بهذه الصفقة، فالأولوية للبنان هي المحافظة على حقوقه وثرواته، إذ إنّ شركة كهذه قد لا تلتزم بالمعايير والقوانين الدّوليّة، وبهذا لن يكون لها ما يردعها عن القيام بنشاطات وعمليات تنقيب في مياه متنازع عليها، وبالتالي الامتداد إلى "البلوكين" اللبنانيين المجاورين. ومن هذا المنطلق، لا بدّ من الإسراع في ترسيم الحدود البحريّة الشّماليّة كما الجنوبيّة وتعديل المرسوم 6433 لتسريع عمليّة التّنقيب والاستخراج في المياه اللبنانية على نحوٍ أكبر. في مطلق الأحوال، في المدى المنظور، لا أرى أي تقدّم لأيّ أعمال تنقيب في المياه السورية".

مع قبرص تفاهم أكيد

وعن الوضع مع الجانب القبرصي يلفت الى "أن حلّ الموضوع ثلاثي أي بين لبنان وقبرص وإسرائيل، إذ بدل أن ينطلق الترسيم القبرصي الإسرائيلي من النقطة 23 تمّ من النقطة رقم 1 كما يبقى الخط العمودي من الشمال الى الجنوب ومن المرتقب تعديله بشكل طفيف بدون أي إشكالية، ولا سيما أن العلاقات جيّدة بين لبنان وقبرص".

 

الشركة القطرية قيمة مضافة

ما أهمية دخول شركة قطرية على خط التنقيب في لبنان؟

يرى زهر أنه "في موضوع انسحاب شركة "نوفاتيك"، الدولة اللبنانية حسمت خيارها بتحويل حصّتها الى شركة قطرية، بعدما أبدت دولة قطر رغبتها في دخول الكونسورتيوم للتنقيب عن النفط في البلوكين (4) و(9). هذه الشركة مملوكة من الدولة القطرية وتتمتّع بخبرة عالمية، كما أن شركتي "توتال" و"إيني" وافقتا على انضمامها الى التحالف، فضلاً عن إعطائها ما نسبته 5% من حصة كل منهما، أي إن الشركة سترفع من قيمة حصتها الاجمالية الى جانب حصة "نوفاتيك" التي هي 20% الى نسبة 30%. وبطبيعة الحال، فإن شركة "توتال" هي الشركة المشغّلة بينما القطرية ستكون المموّلة، علماً بأن هناك تعاوناً سابقاً بين الشركتين المذكورتين، وهذا يساعد على تسيير الأمور جيّداً".

وعن أهمية انتساب لبنان الى النادي النفطي العالمي سأل زهر "عن ايّ نادٍ يتحدّثون؟".

ويقول: "هناك نادي شرق البحر المتوسط الذي يضمّ إسرائيل،قبرص، اليونان، مصر وإيطاليا. ولكن مع وجود إسرائيل من الصعب دخول لبنان هذا النادي. من المعلوم أن مهمة النادي البحث في الخلافات التي قد تحدث في المنطقة سواء حول البنية التحتية أو غيرها وذلك لتخفيف التكاليف، وتبادل الخبرات". 

حتى تاريخه، وبرغم الضجّة حول الملفّ، "ما من أحد قادر على الجزم بكمّية الغاز الموجودة في أي بلوك لبناني خضع للمسوحات"، وفق مصادر مطلعة.

وتقول المصادر "إن الاسترسال في التوقّعات الجيّدة دليل خير، لكن لا ينبغي التوقف عنده، لأن في لبنان ثروات أخرى سهل الاستفادة منها تذهب هدراً، ولعلّ المياه من بينها. ثم إن المؤشرات الموجودة اليوم تلحظ أن الخلاف سيكون في الداخل اللبناني حول من سيتولّى إدارة الصندوق السيادي الخاص بالثروة النفطية، وليس مع الخارج في موضوع الترسيم. من هنا، واجب السلطة السياسية التعامل مع هذا الموضوع بشفافية مطلقة بعيداً عن الشعبوية".

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم