الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

من "نتفليكس"- مرضى السرطان بحاجة إلى انتفاضة "Sweet Girl" ضدّ شركات الأدوية والمحتكرين

المصدر: "النهار"
إسراء حسن
إسراء حسن
من فيلم "Sweet Girl".
من فيلم "Sweet Girl".
A+ A-
لن تُفلح مشاهداتنا بعد اليوم لأيّ عمل دراميّ أو سينمائيّ في عدم إسقاط واقعنا على الحبكة المطروحة؛ وحسنٌ ما قاله الكاتب: "تربح المعركة عندما تحارب بقوّة أكثر".

فعلى سبيل المثال، يجسّد فيلم "Sweet Girl" صرخةً ومتنفّساً في آنٍ معاً للانتفاض على الفساد المستشري في بعض شركات الأدوية، التي تعقد الصفقات مع أصحاب النفوذ والسياسيّين، وتقدّم لهم الرشاوى لتحقيق الأطماع المادية على حساب أرواح المواطنين، تماماً كالدموع الغالية، التي سكَتَ أمامها الكلامُ، والتي قالتها إحدى المصابات بمرض السرطان في لبنان، حين أطلقت صرختها الموجوعة باسم جميع المتألّمين، الذين يخوضون معارك فاقت قدراتهم مع الخبيث، فيما نشهد تمثيليّات استيقاظ السلطة اللبنانية ودهمها مستودعات الأدوية التي خبّأها المحتكرون بعلم من كبار القوم.

بدأ عرض العمل السينمائي "Sweet Girl" في العشرين من آب الجاري، وأفلح في تصدّر قائمة الأفلام الأكثر مشاهدة على "نتفليكس". هذا الفيلم من بطولة جايسون موموا، وإيزابيلا ميرسيد، ومانويل غارسيا رولفو، وليكس سكوت ديفيس، ومايكل ريموند جيس، ومن إخراج بريان آندرو مندوزا؛ وكاتب السيناريو هو فيليب آيزنر وكريغ هورويتز.
يحكي قصة رجل العائلة راي كوبر (جيسون موموا)، الذي يتعهّد بتحصيل حقّه بنفسه وإحقاق العدالة ضدّ إحدى شركات الأدوية (بيوبرايم) المسؤولة عن سحب دواء "سبيرو" من السوق، والذي كان من الممكن أن ينقذ حياة زوجته المصابة بمرض السرطان. وفي رحلة بحثه عن الحقيقة، يجد نفسه أمام مخاطر أكبر منه تهدّد حياته وحياة ابنته راشيل (إيزابيلا ميرسيد)، ليتحوّل مسار المواجهة مسألة وجود وإنقاذ له ولابنته من الفاسدين.
 
مُخرج العمل اعتمد في سرد أحداث العمل على أسلوب الـ"فلاش باك"، أي العودة بالقصة إلى الوراء، مقدّماً لوحة من الصور والمشاعر، التي تُظهر بعضاً من الحقيقة عن كيفية انتهاء الحال بالأب وابنته، إذ يتشارك مع المُشاهد لحظات السعادة التي يعيشها أفراد عائلة مؤلّفة من أبٍ وأمّ وابنتهما، غير أنّ أوراق الخريف ما تلبث أن تسقط عنوة وتتحوّل الوجوه السعيدة إلى شاحبة بعد إصابة زوجة راي كوبر بمرض السرطان. "نفعل المستحيل لإنقاذ حياة أحبائنا"، وهو ما سعى كوبر لفعله لأجل استعادة زوجته، لكنّه خسر المعركة. فشركة الأدوية (بيوبرايم) دفعت أموالاً للجهة المصنّعة لدواء مكافئ (سبيرو) لتأخير طرحه في السوق إلى أجل غير مسمّى. فهذا الدواء كان الأمل الوحيد لزوجته وآلاف المرضى في رحلة صراعهم المؤلمة.  هي الرغبة الخالية من الرحمة لأصحاب النفوذ والسياسيين لتحقيق الأرباح وإشباع جشعهم على جثث هؤلاء الضحايا.
 


من هذا الفاصل الحياتي المحزن، تبدأ قصة راي كوبر بإصراره على عدم السكوت، وإيمانه بأنّ الوقت حان للانتفاض وكشف هذه المافيا، التي يفرّ رؤساؤها بأفعالهم المشينة عبر الحفلات الخيرية المقنّعة وعنوانها الأمل الكاذب.

 يتلقّى كوبر بعد أشهر على رحيل زوجته اتصالاً من صحافيّ استقصائيّ، طلب شهادته لدعم تحقيق يُجريه، من شأنه أن يكشف فساد شركة الأدوية المذكورة والمتورّطين فيها. يحصل اللقاء، وينتهي باغتيال الصحافي و"محاولة" قتل راي، الذي اكتشف ملاحقة ابنته رايتشل له، لينتهي المطاف بهما ملقيين على الأرض.
 
ينقلك الفيلم إلى فترة زمنية جديدة، "بعد سنتين"، وينتقل معها التركيز على ابنة راي الشابة رايتشل المتمرّسة كأبيها في بطولة الجودو. تتّخذ أحداث الفيلم وتيرة أسرع، فنشهد استهداف كوبر المتورّطين، وبدء ملاحقة الشرطة له، فيما يُكشف عن رايتشل أكثر فأكثر؛ فهي الشخصية الراغبة في حماية والدها وتبرير أفعاله من خلال تواصلها مع شرطيّة في مكتب التحقيق الفيدرالي.
إلى هنا، وبعد مرور أكثر من ساعة على عرض الفيلم، قد يشعر المشاهد ببعض الضجر، فالملاحقات وتحصيل الحقوق من الأشرار معهودة في هذه النوعية من الأفلام، إلى أن يقرّر كاتب العمل إحداث صدمة لدى المشاهد، موظّفاً الرتابة والضجر اللذين أوجدهما عن قصد لإحداث تغيير جذريّ في مسار أحداث الفيلم. فعندما تكتشف الشرطة الفدرالية مكان كوبر، وتبدأ بملاحقته ومحاصرته، تتحدّث الشرطية المولجة بالقضية بداية إليه، وتطلب إليه عدم رمي نفسه في البحيرة. نداؤها أثار الريبة، إذ أصرّت خلال مخاطبتها له بأنّ "راي، والدك، أراد حمايتك"، وتبدأ حقيقة الأحداث بالانكشاف. فخلال عمليّة الاغتيال، وسقوط كوبر وابنته رايتشل أرضاً، يموت الوالد، وتبقى رايتشل على قيد الحياة، لتبدأ رحلة انتقامها. وكلّ ما رأيناه من أفعال تخصّ كوبر إنما هي في الواقع رايتشل من ينفذها، متّخذة من روح والدها المرشد في وحدتها وانتقامها وغضبها.
 
 

نهاية الفيلم هي كل ما يتمنّاه المشاهد من سقوط الأشرار وكشف ضلوع المتورّطين مهما علا شأنهم. رايتشل أفلحت في كشف مخطّط السيناتور الفاسد، والمسؤولين في شركة الأدوية المتورّطة، ونالت اعترافاًً من السيناتور بقتل والدها وكلّ من وقف في طريقها للوصول إلى السلطة.
فليت أفلام هوليوود أو حتى بوليوود تتحقّق في بلدنا المنهوب لبنان!
ليتنا نرى المسؤولين عن أوجاع الناس وراء القضبان. وحسنٌ ما قاله كاتب الفيلم: "الماضي مثل الحلم، هناك ذكريات تحدّدنا، وتشكّلنا لنصبح ما نحن عليه". واليوم، الشعب اللبناني موجوع، وعلى الذكريات المؤلمة التي عاشها ويعايش حاضرها أن تحدّد تفكيره ليحدّد ما يجب أن يكون عليه.
 
لافتة مشاهدة الفيلم، واللافت أكثر مشاركة جيسون موموا، الذي اشتهر كثيراً بأدواره الخارقة. وباعترافه في إحدى المقابلات، يشعر بالرضى عن هذه التجربة الجديدة له، مطلّاً على جمهوره بشخصيّة رجل عادي؛ أب عائلة وليس الرجل الخارق كما عهده الجمهور في "صراع العروش" (Game of Thrones) أو "الرجل المائي" (Aquaman). ولعلّ تربّع الفيلم على قائمة أفلام "نتفليكس" دليل على نجاحه في هذه التجربة الجديدة.
 

أما الممثلة الشابة إيزابيلا ميرسيد، التي أدّت دور رايتشل، فقد أفلحت في تجسيد صوت الحق؛ هي الفتاة الطيّبة التي حاول المجرمون أن يكتبوا قدرها، فانتفضت عليهم بذكائها لا بغريزتها العاطفية، فأوفت بوعدها، وبدأت مستقبلاً، أراد هؤلاء أن يجعلوه مظلماً.
 
الفيلم حاز آراء منقسمة بين النقّاد، خصوصاً في ما يتعلّق بالنقلة الجذريّة في الأحداث في الجزء الأخير منه، إذ رأى الفريق المنتقد لهذه النقلة في الأحداث أنها قسّمت الفيلم إلى قصّتين مختلفتين، كان الأجدى بالكاتب أن يبحر أكثر في إيجاد أسلوب غير تقليديّ لترجمتها، فيما اعتبر الفريق المُشيد بأنّ الفيلم ركّز منذ بدايته حتى نهايته على الروابط العائليّة، وكشف عن جشع تجّار الأدوية ومَن وراءهم.
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم