السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

"كامل العدد"... الكوميديا تكسب

المصدر: "النهار"
"كامل العدد".
"كامل العدد".
A+ A-
إيمان إبراهيم        


"كامل العدد" واحد من الأعمال القليلة التي حصدت ما يشبه الإجماع في الماراثون الرمضاني 2023، مزيج من الكوميديا والمواقف العاطفية والمشاكل العائلية، قليل من كل شيء، يغني عن الكثير من لا شيء تحفل به الدراما هذا الموسم. 15 حلقة ممسوكة الإيقاع، غنيّة بالأحداث، لا فراغات فيها ولا حشو، تغني عن 30 حلقة وعن مواسم تمدّد حسب الطلب.

المسلسل الذي أدّى دور البطولة فيه كل من دينا الشربيني وشريف سلامة، شهد عودة النجمة إسعاد يونس إلى الشاشة الصغيرة، عودة كانت على حجم الآمال المعقودة على ممثلة حين غابت تركت فراغاً لم يملأه سوى حضورها هذا الموسم.
 
أخرج "كامل العدد" الكوميديا من كونها وجبة خفيفة لا يعتدّ بها حين تكون الوليمة دسمة، انطلق عرضه قبل الموسم الرمضاني بيومين، ليضمن حضوراً مسبقاً، استراتيجيّة تشعر المشاهد بأن صنّاع العمل مرتبكون، غير واثقين من المادة التي يقدّمونها، يريدون استباق السباق الدرامي كي يضمنوا لهم مساحةً فيه، لكنّ المسلسل كان أكثر من مجرد مادّة مسليّة، رغم حضوره في موسم درامي تغلب عليه الأعمال السوداوية الغارقة في البؤس.

يعطي "كامل العدد" لصنّاع الدراما دروساً أنّ تقديم عملٍ يشبه المشاهدين لا يعني أن تتحوّل الدراما إلى ما يشبه نشرات الأخبار، ولا يعني أن تغرق في الكآبة والدموع تحت ذريعة أنّ المجتمعات العربية تعاني من مشاكل تجعل من تقديم دراما لا ترتدي السّواد انفصالاً عن الواقع، كما يعطي المسلسل دروساً أنّ الكوميديا ليست تهريجاً، وأنّ البطولة الجماعية أساس في نجاح أي عملٍ، بعيداً عن دوّامة الأعمال التي تدور حول بطلٍ واحد، وقصّة واحدة، وبعض قصص جانبية غير محبوكة لزوم التطويل.

يستوحي المسلسل قصّته من فيلم "عالم عيال عيال" بطولة رشدي أباظة وسميرة أحمد المنتج في سبعينيات القرن الماضي، ويوجّه لأبطال الفيلم وصنّاعه تحيّة مع بداية كل حلقة، تبدأ أحداثه حين تلتقي ليلى (دينا الشربيني) الأم لأربعة أولاد من زيجتين فاشلتين، بالدكتور أحمد (شريف سلامة) الأرمل والأب لثلاثة أبناء، تنشأ بينهما قصّة حب، فزواج، فمهمة مستحيلة في تطويع الأولاد، وجعلهم يتأقلمون في حياة جديدة.
 
أولاد أحمد الذين انتقلوا إلى أميركا بعد وفاة والدتهم حيث عاشوا في كنف جدّتهم، يجدون صعوبة في التأقلم في مصر، تختصر الابنة الكبرى معاناتهم، هم في أميركا العرب الغرباء عن محيطهم، وهم في مصر الأميركيون الغريبو الأطوار.

أما أولاد ليلى فيملأهم الغضب، لانقلاب حياتهم رأساً على عقب، واضطرارهم إلى تحمّل تبعات زيجات والدتهم الفاشلة. فشلت هذه الأخيرة إلى جانب زيجتيها، في تربية أولادها بطريقة صحيحة، رغم اهتمامها المبالغ بهم. لكل منهم عقدة، وعندما تجتمع عقد الأطفال، يضطر الزوجان إلى الاستعانة بطبيبة نفسية للتعامل معها.

يضيء المسلسل على نوعية آباء تدير ظهرها لأولادها عندما يقع الطلاق، وعلى النّدوب التي يخلّفها اضطرار طفل للعيش في نصف أسرة، وقدرة الأم على أداء دورها معطوفاً على دور الأب، كما يضيء على علاقات شائكة، عندما يمرّ الحب أمامك، لكنّك لا تراه إلا عندما يدير ظهره ويصبح بعيداً.

يعود بنا "كامل العدد" إلى زمن الفن الجميل، مع تيمور (أحمد كمال) والد ليلى الذي يمتلك مكتبة موسيقية كبرى، وثقافة فنية تنتمي إلى عصر الفن الخالد، كما يعود بنا إلى عصر السينما الذهبي مع حياة (إسعاد يونس)، الفنانة التي لعبت نصف دور في شبابها، ثم تفرّغت لزواجها وتربية ابنها، تعيش نجومية لم تتحقق إلا في مخيلتها، وعندما تقرّر البدء من جديد، تصاب بخيبة أمل، تتوقّع أن تستقبل خيبتها بدموع الانكسار والشّفقة على الذات، لكنّ صاحبة السعادة تقدّم واحداً من أعظم مشاهد المسلسل، حين تستقبل خيبتها بضحكة مريرة، تختصر أحلامها الضائعة، ونجومية لم تتحقّق، وواقعاً أدركت في لحظة مصالحة مع الذات أنّه كان صنيعة الخيال.

تؤدي دينا الشربيني ببراعة دور الأم التي تزوّجت صغيرة، فشلت مرّتين، وفي المرّتين كان عليها أن تحمل وحدها مسؤولية تربية الأطفال، هي جبّارة حيناً، وهشّة أحياناً، تلتقي في جبروتها وهشاشتها مع شريف سلامة، الذي يؤدي دوراً يتشعّب بين كونه ابناً وحيداً لأم تعيش حلم نجومية لم تتحقّق، وأبٍ فرض عليه أن يتعايش مع أحلام زوجته، وبين كونه أباً لثلاثة أيتام اكتشف بعد غيابهم الطويل عنهم أنّه لا يعرف عنهم شيئاً، ولم يبنِ معهم ذكريات، وأنّه حين أراد البدء من جديد، اصطدم بحاجز الصدّ، التعامل مع الأطفال مهمّة شاقّة.

الأطفال السبعة كانوا أبطال المسلسل الحقيقيّين، لكلّ منهم شخصية مرسومة بدقّة، هم ضابطو إيقاع القصّة، يكتبون مجرياتها وعندما يقرّرون يضعون لها نهاية ترضي الجميع.

الجميل في المسلسل أنّه يروي قصص الجميع، الأحفاد والأجداد والأهل، العائلات المترابطة والمفككة، الحب البريء والعلاقات المسمومة، العلاقة بعد الطلاق بوجهيها الصحّي والمريض، الصداقة كما هي وكما تتمناها أن تكون، التعايش مع فقدان أحد أفراد الأسرة ومع فكرة أنّ الحياة رغم كل الألم تستمر. يعطي المسلسل أملاً بأنّ الحياة قد تبدأ حين خلتها ستنتهي، وأنّه دائماً ثمّة يوم حلو ويوم مرّ، وأنّ المحبة والغفران إن وجدا يصبح تحمّل الحياة بكل مشقّاتها أسهل.

إيقاع العمل السريع لم يحرق أحداث القصّة، وتشعّب القصص الجانبية لم يحرف المسلسل عن مساره، كل الممثلين أجادوا، وغياب أي عنصر منهم كان سيبدو كقطعة ناقصة في لعبة البازل، نذكر منهم آية سماحة بدور هنزادة شقيقة ليلى وعمرو جمال بدور خطيبها، وأحمد جمال سعيد بدور الدكتور طارق صديق أحمد، وسمر علام بدور زوجته آية، ومصطفى درويش بدور عمر طليق ليلى، والراقصة بدرا بدور زوجة عمر، وجيهان الشماشرجي بدور إنجي، وغيرهم من نجوم العمل الرئيسيين وحتى الكومبارس الذين نجحوا تحت إدارة المخرج خالد الحلفاوي ونص الكاتبتين يسر طاهر ورنا أبو الريش وإنتاج شركة "إيغل فيلمز" اللبنانية في تقديم واحدٍ من أجمل مسلسلات رمضان 2023.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم