الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

سالي ثريا تُقدّم معرضاً في لندن... نقل أصوات مَن أزالوا آثار الدمار من شوارع بيروت

المصدر: "النهار"
كارين اليان
كارين اليان
من المعرض
من المعرض
A+ A-

لم يقتصر أثر ما حصل في انفجار المرفأ قبل عام على من تضرّر فيه، بل شمل كلّ لبناني في الصميم، سواء أكان على الأراضي اللبنانية أم خارجها.

فمن ذا الذي قد يشعر بأنّه غير معنيّ بكارثة من هذا النوع؟

وجد كلّ فرد نفسه معنيّاً ومسؤولاً بشكل أو بآخر عن تقديم المساعدة، علّه يساهم في الحدّ من كلّ ما تسبّبه هذه الكارثة من أضرار. الفنانة في السرد البصريّ سالي ثريا، وانطلاقاً من تخصّصها وعملها في مجال الصحة النفسية، ونظراً إلى وجودها في لندن وعدم قدرتها على الحضور جسدياً إلى لبنان، قرّرت أن تساعد بطريقتها. أمّا قصّة المعرض السمعي - البصري الذي تقيمه في لندن، فقد انطلقت من أفكارها، التي توجّهت إلى من نزلوا إلى الشوارع لتقديم المساعدة وإزالة آثار الدمار بعد الانفجار.

شعرت ثريا بعد الانفجار، أثناء وجودها في لندن، باندفاع نحو القيام بعمل فاعل، تستطيع من خلاله أن تعيش هذه التجربة، لذلك تروي: 

"شعرت بالعجز حينها. ولأن الحداد لا يكون حصراً بالبكاء، والمساعدة لا تكون فقط بالتبرعات، شعرت بحاجة ماسة لأكون على الأرض، لأتخطّى الألم الذي أشعر فيه. وكانت المشكلة أنّني لم أكن حاضرة في لبنان حينها، ولم أكن قادرة على السفر إليه".

أرادت أن تقوم بعمل فاعل تقف به إلى جانب المواطنين اللبنانيين وسط هذه الكارثة، فتوجّهت بأفكارها إلى من نزلوا إلى الشوارع بعد الانفجار مباشرة لتنظيفها من آثار الدمار والدماء والألم. فمن لندن، أرادت أن تقدّم تحيّة إلى هؤلاء، فتظهر دعمها لهم، ولتساعد نفسها على تخطّي الوجع الذي شعرت به عقب الكارثة.

منذ اللحظة الأولى، بدأت البحث عن الزجاج المكسور في لندن بالرغم من صعوبة المهمّة، لأنه يُصنّف خطراً، ويُمكن أن يُسبّب الأذى. كانت مفارقة صعبة أنّ الزجاج المسكور متناثر في مختلف أرجاء بيروت، مع ما يُسبّبه من إصابات ووفيات بين اللبنانيين، في وقت يستحيل إيجاده في لندن. كان الحلّ الوحيد عندها إحضار لوح من الزجاج، لتقوم بتكسيره بنفسها حتى تعيش تجربة اللبنانيين الذين كانوا يقومون بأعمال الكناسة في الطرقات بعد الانفجار. بعدها، توجّهت من منزلها في لندن إلى السفارة اللبنانية خلال 4 ساعات حاملة الزجاج المكسور، الذي كانت ترميه في الطرقات، ثمّ تعمل على كَنسه، لترسل رسالة دعم إلى اللبنانيين، والمساهمة بفاعلية بشكل أو بآخر في الحدّ ممّا تشعر به من وجع. وكانت بذلك تلفت أنظار كلّ من رآها إلى الكارثة الحاصلة في لبنان، وأنه ثمة من يقوم بتنظيف الطرقات من الدمار والزجاج المكسور. ومنهم من كان يتفاعل معها ويقدّم لها المساعدة، ومنهم من كان يسأل عمّا تفعله. وكان في توجّهها نحو السفارة اللبنانية طبعاً رسالة سياسية لها رمزيّتها أيضاً، فيما كانت تعيش تجربة اللبنانيين.

في ذاك الوقت، لم تُقم ثريا المعرض باعتبار أن فكرتها لا يمكن أن تكتمل إلا بوجودها على الأرض في لبنان لتعيش التجربة بالكامل، وفق ما تقول: "زرت لبنان أخيراً ما أن استطعت ذلك، وسمعت قصص اللبنانيين الذين نزلوا إلى الشوارع لإزالة آثار الدمار منها لأعيش أحاسيسهم، ولينقلوا لي ما شعروا به في تجربتهم هذه، ومعاناتهم أمام تلك المشاعر المتداخلة بين الفاعلية في تقديم المساعدة والدعم وإزالة الدمار، وبين الغضب الذي كانوا يشعرون به لما يرونه أمامهم.

في المقابل، ساهم ذلك بطريقة ما في مساعدتهم نفسياً على تخطّي ما حصل، لكونهم نزلوا إلى الشوارع من مختلف المناطق وتضامنوا بطريقة عفوية".

قصص تحمل معاني كثيرة

في قصص من نزلوا إلى الشوارع لإزالة آثار الدمار بدا واضحاً أنهم أوجدوا طريقة لإزالة الذكريات المرافقة للانفجار، لا الانفجار وحده، فتأثّروا إلى حدّ كبير بكونهم على الأرض، ويرون أمامهم آثار الدمار ودم الضحايا والصور التي يجهلون مصير أصحابها. في الوقت نفسه، كانوا يشعرون بأنّهم يقومون بعمل فاعل، بغضّ النّظر عن التعب الذي يشعرون به. وكانت تعني لهم الكثير الردودُ على أولئك الأشخاص، الذين كانوا يساعدونهم ويرون امتنانهم. كانت هذه كلّها مبادرات فرديّة، وفق ما توضح ثريا، التي أرادت أن تنقل أصواتهم ضمن مبادرتها؛ فنقلت كيف أن عملاً يوميّاً بسيطاً هو عمل التكنيس، وأداة بسيطة موجودة في حياتنا اليومية أخذت بُعداً مختلفاً، ودلالات نفسية، وأبعاداً سياسيّة، بفضل التضامن والتكاتف بين المواطنين، ما يُظهر عجز الدولة عن الوقوف إلى جانب مواطنيها.

 
رسالة أمل وعربون تقدير

هذا العمل، حمل على حدّ قولها جانباً إيجابياً والكثير من الأمل، وساعد كثيرين على تخطّي وجعهم وحزنهم من خلال ما قاموا به بفاعلية. أرادت أن توصل صوت هؤلاء كعربون تقدير لهم وشكر على ما حققوه، والكل يعلم جيداً أن الوقوف أمام كارثة من هذا النوع، من دون التحرّك أو فعل شيء للمساعدة، مؤلم أكثر؛ وكانت مشاركتها بنقل أصواتهم أيضاً مساهمة منها على تخطّي الألم، الذي تشعر به، خصوصاً أنّها قابلتهم، وسمعت قصصهم، حين قدومها إلى لبنان، ثم عاشت التجربة من خلال المساهمة أيضاً في عملية التكنيس لما تبقّى من دمار. بذلك استطاعت أن تشعر بما أحسّوا به بشكل حسّيّ أيضاً. تقول: "بحثت عن المكانس التي استخدموها، وعدت وأحضرت الزجاج المتبقّي في شوارع بيروت حتى أضعه في المعرض. أمّا المعرض فهو عبارة عن Video installation تعرض تجارب من قاموا بأعمال تكنيس في الشوارع، وهم يتحدّثون عن مشاعرهم.

عند مدخل المعرض، وضعت آثار أقدام من الزجاج المكسور، قامت ثريا بطباعته، ليقود إلى إظهار كيف أن اللبنانيين يمشون على الزجاج المكسور ويعرضون أنفسهم للخطر. ثمّ تتّجه آثار الأقدام نحو أحذية تعود إلى الأشخاص الذين كانوا يقومون بأعمال التكنيس مع مكانسهم وقفازاتهم، والخوذة التي كانوا يضعونها. كلّ هذا وجدت فيه ثريا وسيلة للتعافي، وتقديم الدعم من خلال التعامل مع ما حصل بالأحاسيس والحواس.

في زاوية المعرض، فيلم قصير عن الطريق التي سلكتها من منزلها إلى السفارة اللبنانية لتعيش التجربة، وكيف قدّم لها الناس المساعدة لتوثيق ما حصل. وقد وضعت عند مدخل المعرض أيضاً علامة تحذيرية من الزجاج الموجود، لما يشكّله من خطر، في رسالة رمزية إلى ما تعرّض له اللبنانيون من مخاطر ولا يزال الزجاج متناثراً في الأراضي.

من خلال الصوت والصورة، استطاعت الفنانة أن توصل أصوات هؤلاء الأشخاص الذين يجهلهم كثيرون، خصوصاً في خارج لبنان، والبُعد الذي يأخذه عملهم هذا.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم