السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

تجربة مع السرطان... درس للحياة وإيمان ولحظات لا تنسى

المصدر: النهار
كارين اليان
كارين اليان
chanceماريلين في مرحلة العلاج مع طبيبتها الدكتورة رولا فرح مؤسسة جمعية
chanceماريلين في مرحلة العلاج مع طبيبتها الدكتورة رولا فرح مؤسسة جمعية
A+ A-

تتطلع المراهقة إلى مرحلة جديدة من حياتها، فتجد المتعة والفرح في أبسط التفاصيل. أما ماريلين معلوف فرسم لها القدر طريقاً مختلفاً لتغيّر حياتها عما كان يمكن أن تكون في هذه المرحلة العمرية. اكتشفت إصابتها بالسرطان وهي في سن السادسة عشرة. ومنذ ذاك الوقت، تغيّرت أمور كثيرة في حياتها، نحو الأفضل، على حد قولها، حتى أصبحت بعيدة كل البعد بطريقة تفكيرها وتعاطيها مع الأمور مقارنةً بشابة في عمرها.

لم تعانِ ماريلين أعراضاً لافتة في المرحلة الأولى من مرضها. فلا ارتفاع حرارة ولا تعب ولا أي عارض آخر من تلك المعتادة لدى المصاب بالسرطان. إلا أنها لاحظت ظهور بقع زرقاء في جسمها، وبمجرد التعرض لضربة بسيطة. بالنسبة لمراهقة تقلق من أن يؤثر أي تفصيل على شكلها، كان ذلك مهماً، فأرادت أن تعالجه. اكتشفت الطبيب الاختصاصية في أمراض الدم والأورام لدى الأطفال ورئيسة جمعية Chance سريعاً أن الوضع خطير وتعتبر الحالة طارئة تستدعي التدخل الطبي السريع. كانت هذه بداية رحلة ماريلين مع مرض اللوكيميا. هي رحلة طويلة لم تدرك بداية أنها ستطول لسنوات.

المرحلة الأصعب، بحسب ماريلين، كانت المرحلة الأولى حين أُدخلت إلى المستشفى حيث أمضت 3 أشهر متتالية من دون خروج أو حتى فتح النافذة أو تناول أي طعام غير الأطعمة المحددة لها في المستشفى، نظراً للانخفاض الحاد في المناعة لديها. "على الصعيد النفسي كانت هذه أصعب مراحل المرض لولا دعم أهلي لي وإيماني بالله الذي ازداد قوة في هذه التجربة. ومنذ ذاك الوقت تبدّلت نظرتي إلى الأمور وبدأت أعرف قيمة كل نعمة في حياتي وعلى رأسها نعمة الحياة التي أحمد الله عليها. كما أصبحت أقدّر أهمية وجود أشخاص يحبونني إلى جانبي".

لا تختلف قصّة ماريلين مع العلاج عن قصّة مريض آخر، بما تخلل هذه المرحلة من تعب نفسي وجسدي، لكن مما لا شك فيها أنها كانت أكثر صعوبة بعد على شابة في مثل سنّها. تتذكر اليوم كيف حضر مزيّن الشعر إلى المستشفى، حيث مكثت في الاشهر الأولى، حتى يقصّ شعرها الطويل الجميل. لكن سرعان ما عاد وتساقط بالكامل خلال جلسات العلاج الأولى. لم يكن ذلك سهلاً حكماً، واستطاعت تخطيه باعتماد الشعر المستعار الذي حضرته من شعرها الطبيعي. لكن شيئاً فشيئاً تخطت هذه المسألة واستطاعت أن تتخطى خجلها وتتصالح مع مظهرها من دون شعر مستعار. في كل خطوة قامت بها ماريلين في رحلة العلاج كانت تكتشف أكثر قيمة الحياة ومعانيها. فلا تنكر أن هذه التجربة زادتها قوةً، وعلى الرغم من الصعوبات التي مرت بها علّمتها الكثير، فكانت درساً لها في الحياة حتى تغيّرت نظرتها إلى الأمور وإلى الحياة بكل تفاصيلها.

لكن في الوقت نفسه، لا تنكر أنه لولا وجود الأهل لما استطاعت أن تتخطى كل ما تخلل هذه المرحلة. فكانوا يحرصون حتى على الترفيه عنها أثناء وجودها في المستشفى من خلال فرق موسيقية يحضرونها لها من وقت إلى آخر، ووسائل ترفيهية أخرى لتخرج من أجواء التوتر والحزن المرافق لهذه المرحلة. هذا، فيما كانت تعد جلسات العلاج واحدة تلو الأخرى بانتظار أن تنهيها كلّها. هذا إلى أن أتت طبيبتها الدكتورة فرح في الجلسة الأخيرة مع أهلها وأقاموا لها حفلةّ في المستشفى احتفالاً بانتهاء رحلة العلاج، فكان هذا أجمل يوم في حياتها، على حد قولها فشعرت عندها أن حملاً ثقيلاً أزيل عن كاهلها.

إيمان ماريلين الكبير بالله لعب الدور الأساسي في هذه المرحلة، فتشكر الله على تزويدها بالقوة لتتخطى هذه التجربة التي تلقت فيها العلاج طوال 3 سنوات، وعلى نعمة الحياة التي تدرك قيمتها الآن. وهي تدرك تماماً أن هذه التجربة صقلت شخصيتها وكانت حياتها ستكون مختلفة لو لم تمر بها.

لم يقف مرض ماريلين عائقاً أمام دراستها،على الرغم من الآثار الجانبية الصعبة التي عانتها، بل كانت أكثر إصراراً على متابعة تحصيلها العلمي في المدرسة، على الرغم من العلاج بفضل دعم القيّمين على مدرستها وأصدقائها الذين ساعدوا ايضاً، ثم الجامعة حيث حازت شهادة في الحقوق، وها هي تتابع اليوم للحصول على شهادة في الدراسات العليا في هذا المجال.

عندما تنظر ماريلين اليوم، بعد أن تابعت حياتها بشكل طبيعي كأي شابة في مثل سنّها، إلى كثيرات هن في مثل سنّها فتجد اهتماماتهن سطحية مقارنةً بنظرتها إلى الحياة بمختلف معانيها. فتفاصيل كثيرة اليوم لا تجد لها أهمية وتعتبر أن خروجها من هذه التجربة بقوة ونجاح علّمها الكثير وزادها نضجاً في النظرة إلى الأمور والأشخاص.

لم يبقَ اليوم من رحلتها مع العلاج سوى ذكرى أليمة ربما في بعض مراحلها، لكن جميلة أيضاً، لما أعطتها من دروس في الحياة وفي النظرة إليها وإلى الإيمان الذي تضعه اليوم فوق أي اعتبار، لكونه انتشلها من الضعف والمرض والموت.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم