الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ارتفاع في معدلات المشاكل النفسية بين اللبنانيين من عام إلى اليوم...والانفجار ليس وحده السبب!

المصدر: النهار
كارين اليان
كارين اليان
النهار
النهار
A+ A-

 

بعد مرور عام على انفجار مرفأ بيروت، الذي توقف الزمان عنده ولم تعد الحياة كما كانت عليه قبله بالنسبة للبنانيين، يُسجّل ارتفاع في معدلات المشاكل النفسية التي يعانيها المواطنون. وبحسب الطبيبة النفسية المحاضرة في جامعة Montpellier الفرنسية وفي جامعة القديس يوسف في بيروت الدكتورة هالة كرباج ليس انفجار المرفأ وحده السبب في معاناة اللبنانيين اليوم على الصعيد النفسي وارتفاع معدلات الأزمات النفسية لديهم، فلا بد من النظر في مجموعة الأزمات ووقعها عليهم بشكل يمكن فيه القول إن من لا يعاني أزمة نفسية قد يكون الاستثناء.

 

ما الاضطرابات النفسية التي صارت أكثر انتشاراً بين اللبنانيين منذ انفجار المرفأ؟

من المؤكد أن المشاكل النفسية ازدادت طوال هذا العام الذي مرّ كالكابوس المستمر على اللبنانيين، إنما يعتبر تراكم الأزمات وغياب الموارد والحاجات الاساسية التي تؤمن للمواطنين محيطاً آمناً بما يدعم صحتهم النفسية، هو أسس المشكلة.

فبحسب كرباج الصحة النفسية ليست عبارة عن غياب الاضطرابات النفسية، كما يعتقد البعض، بل هي ترتبط بالشعور بالأمان وبالتفاعل في محيط تتأمن فيه الفرص المناسبة لتوفير الظروف المعيشية الأساسية، وهذا ما لا يتوافر أبداً في لبنان. انطلاقاً من ذلك، لا يمكن فصل الصحة النفسية عن السياسة ولا عن الاقتصاد ولا عن المجتمع، فكافة العناصر الحياتية مترابطة بما ينعكس على الصحة النفسية.

أما أكثر المشاكل النفسية والأعراض التي يمكن ملاحظتها منذ انفجار المرفأ وأيضاً تفاقم الأزمات فهي الاضطرابات في النوم والقلق الزائد والاكتئاب وانعدام النشاط والكسل وقلة التركيز وتراجع في قوة الذاكرة ونوبات الهلع. على الرغم من ذلك تشير كرباج إلى الأشخاص الذين يستجمعون قواهم ويحاربون للاستمرار والبقاء.

هل من أشخاص يعتبرون أكثر قدرة على التأقلم ومقاومة الصعاب؟

مما لا شك فيه أن ثمة أشخاصاً يعتبرون أكثر قدرة على التأقلم، إنما تستخدم كرباج هذه العبارة بتحفظ معتبرة أن قدرة اللبنانيين على التأقلم بشكل مبالغ فيه، قد تكون من أسس المشكلة وهذا بحد ذاته خلل في مجتمع يبدو الخلل واضحاً فيه.

انطلاقاً من ذلك، لا يمكن تحميل الفرد العاجز عن التأقلب ذنباً في ظل مجتمع يصعب أصلاً التأقلم فيه. في الواقع من لا يعاني أزمة نفسية يبدو اليوم الاستثناء فعلاً لأن الكل متأثر بما يحصل من حوله من النواحي كافة بغياب الأمان الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي والسياسي. من جهة أخرى، تعتبر أن القدرة على التأقلم ليست وحدها ما يساعد البعض على الاستمرار والبقاء رغم الظروف، بل إن توافر شبكة الدعم الاجتماعي قد يكون العنصر الاكثر أهمية. فمن لا يتوافر لهم الدعم الاجتماعي يكونون أقل قدرة على التأقلم. وفي مثل هذه الظروف، لا يمكن تحميل الفرد ذنباً إذا كان ضعيفاً، فالخلل الأكبر هو في المجتمع.

بشكل عام، تعتبر كرباج أن ما هو موجود في الكتب صعب التطبيق في بلد كلبنان نظراً للخلل الواضح الموجود. أما في مواجهة كل هذه الأزمات، ومنها ما حصل في انفجار المرفأ، يبدو التضامن الاجتماعي العلاج الأفضل ولعل ما فعله أهالي بيروت مستندين إلى التكافل الاجتماعي، كان خير علاج لهم لمساعدتهم على النهوض والاستمرار رغم الظروف. فقد استطاعوا أن يحوّلوا وضعهم بذاته إلى نقطة انطلاق للمطالبة بالعدالة ومنها استمداد القوة للاستمرار. ويعني ذلك بشكل خاص أهالي الضحايا لأنهم يشكلون درساً لما استطاعوا ان يحققوه في مطالبتهم بالعدالة ما زادهم عزماً بفضل التضامن وأيضاً المشاركة بفاعلية في المجتمع. قد يكونون أكثر عرضة للمشاكل النفسية لكنهم استطاعوا أن يحولوا ألمهم إلى عمل هادف في المجتمع وهو العلاج بالنسبة لهم.

لا يتوافر حل سحري لاستعادة الصحة النفسية، فالمطلوب هو تغيير شامل في وضع البلد ككل من النواحي الاقتصادية والسياسية. في الوقت نفسه، لا يمكن أن يُطلب من المواطنين الانتظار، بحسب كرباج، إلى أن يتحقق ذلك. بل لا بد من تقديم المساعدة لهم والدعم للتعامل مع هذا الواقع.

هل يعتبر من يعانون اضطرابات نفسية سابقة أكثر عرضة للخطر؟

من يعاني مرضاً نفسياً مسبقاً قد يكون فعلاً أكثر عرضة للخطر وللانتكاسات، إنما ليس حكماً سبباً في ظل كل هذه الأزمات. فأي شخص يمكن أن يكون عرضة للمشاكل النفسية في محيط يكثر فيه الخلل وتغيب فيه الموارد والحاجات الأساسية للعيش وتُستنفد الطاقات. فما يمكن أن يعانيه أي مواطن على الصعيد النفسي يعتبر ردة فعل طبيعية في مجتمع لا يتوافر فيه شيء من أسس العيش الكريم. وحكماً يعتبر الاشخاص الذين يعانون ظروفاً اقتصادية صعبة أكثر عرضة للخطر وللمشاكل النفسية ويمكن أن نشهد هذا النوع من المشاكل لدى أب يعجز عن تأمين لقمة العيش لأسرته مثلاً، فيما يمكن أن تكون الأمور أسهل لمن لديهم موارد مرمنة. بقدر ما تكون الموارد محدودة تكون الظروف أكثر صعوبة. مع الإشارة إلى أن الفقر لا يسبب مرضاً نفسياً، إنما الفقر مع انقطاع الموارد الأساسية للعيش يزيد من احتمال التعرض لأزمة نفسية.

من جهة أخرى، يمكن القول إنه حتى بالنسبة إلى من يعاني مرضاً نفسياً أصلاً، لو توافر له المحيط الآمن لما تطورت الأمور بالنسبة له وساء وضعه.

 

هل ارتفعت معدلات تناول أدوية الأعصاب في لبنان؟

لا يمكن الحديث عن ارتفاع في معدلات استهلاك أدوية الأعصاب في لبنان في ظل انقطاعها. فوجود الأزمة لا يسمح بالحديث عن ذلك. في الوقت نفسه يشكل هذا جريمة بحق المواطنين، خصوصاً أولئك الذين يعانون أمراضاً كالاكتئاب المزمن وهم عرضة للإقدام على الانتحار، فانقطاع الدواء يهدد حياتهم. فكما يبدو واضحاً زادت المشاكل النفسية بين المواطنين، إنما الدواء موضوع آخر في ظل انقطاعه وهذا ما يزيد الوضع سوءاً وخطورة بالنسبة لمن يعاني مرضاً نفسياً سابقاً.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم