الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

خيارات

المصدر: النهار - محمد سعيد حميد - اليمن
أسرج خيل أشواقه إلى كرات الثلج.. هذه المرة لن يدخل قاعات المحاضرات
أسرج خيل أشواقه إلى كرات الثلج.. هذه المرة لن يدخل قاعات المحاضرات
A+ A-
أسرج خيل أشواقه إلى كرات الثلج.. هذه المرة لن يدخل قاعات المحاضرات، سيكون طائر الفلامنغو بحثاً عن لقمة العيش بعد أن أدرك أن كل من حوله يتضور جوعاً حتى الموت.
هل عليه أن يسرق أو يقتل لإطعامهم؛ وهو الذي يمقت قتل حشرة؟ والهجرة هواية أتقنها أقرانه لإطعام الفراخ الجائعة، فكيف له أن يشذّ عنهم؟!!.
انقطع الخيط الخفي من الأمل.. كل شيء يطير.. كل شيء يتبخر.. لا شيء غير دليل القلب يومض ويخمد.
كان يدرك أن الحرب لا ترحم، وفيها تغتصب أمهات مع أطفالهن. ويتخيل وحشية الشوارع الدامية، وقرار الرحيل ليس بالقرار السهل. فللإنسان ألف حبيبة، ووطن واحد. والساعة في المهجر قرن، ولكنه الخيار الأمثل عندما تسد كل الخيارات للخروج من كارثة محتملة. ولتجنبها قبَّل جبين زوجته وهي غارقة في النوم، ووضع رسالة تحت وسادته وانطلق تاركاً خلفه فلذات كبده، معتذراً لهم فيها عما سببه لهم من شقاء: "سامحوني، لم أجد قراراً أنجع ينقذكم وينقذني.. الانتحار كان البديل الآخر.. فلماذا اللجوء إليه وأرض الله واسعة - هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ-. تفتقدونني ساعات وأياماً وسيذهب كل منكم إلى طريقه في هذه الدنيا. لا بأس ستذرفون الدموع حزناً، ولكنها علاج ناجع للاكتئاب. أذرفوها، دعوها تنهمر أنهاراً. لا تحبسوها كي لا تتحول إلى قنابل موقوتة تنفجر بكم يوماً ما. أياماً وتنسون كل شيء إن لم أعد لاصطحابكم معي. بعدها تصبحون أسعد الناس إن شاء الله. وداعاً يا أغلى الناس إلى قلبي".
لقد كبروا وكبرت اهتماماتهم، وازدادت وتشعبت مصالحهم. لم يعد قادراً على تلبية أدنى طلب لواحدٍ منهم. ربما لأنه لم يستوعب طبيعة احتياجاتهم. غرقوا في بحر التقنيات الرقمية وثورة المعلومات وهو لا يحب ذلك. وقد يكون مبرراً للفرار عن تلبية مطالبهم. يحاول إقناعهم أن ذلك كفر وثورة على المألوف الذي لا يرغب أن يتجاوزه أحد، لأن ذلك أخرجهم عن حبهم لبعض. وأصبحوا يعيشون عالماً وهمياً لا يمت بصلة إلى روح لحمة وتقاليد أجداده.
حقاً... إنه لا يقيم إلا في قلوبهم، كما يقيمون في قلبه.
أحبهم جداً. ولا يريد أن تكون نهاية أبيهم الانتحار. لأجلهم قرر الرحيل وأنطلق نحو المطار، وعاد قبل أن تطأ قدماه صالة المغادرة قطعاً من اللحم الممزق على تابوت تتقاطر منه بقع دم حمراء قانية.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم