الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

عندما تتصدع الأوطان

المصدر: النهار - ماجد المقصود - كندا
تهيمن أخبار أوكرانيا في الآونة الأخيرة على الأحداث
تهيمن أخبار أوكرانيا في الآونة الأخيرة على الأحداث
A+ A-
تهيمن أخبار أوكرانيا في الآونة الأخيرة على الأحداث، فالروس حشدوا فعلياً 100 ألف جندي على الحدود شرقًا وأوكرانيا وحلف الناتو يقولون إن روسيا تجهز لاجتياح، وبالفعل تكلم بايدن مع بوتين شارحاً له بنبرة قوية مخاوف وموقف أميركا من الأزمة وهدده بعقوبات قاسية على حد قوله، وألمانيا أعلنت بعد رحيل ميركل بأنها ستوقف خط غاز ستريم الشمالي إذا تم الاعتداء، وطبعاً بوتين لا يقيم وزناً لكل هذه التهديدات على أغلب الظن، فهو شهد كيف فرت أميركا من أفغانستان ومن العراق وكيف تستجدي إيران لاتفاق رفضه ترامب.
طبعا قضية أوكرانيا بدأت في عهد أوباما عندما نسف اتفاقاً منجزاً روسياً ألمانياً فرنسياً أوكرانياً لقصر نظره، وأرسل مستشارة الأمن القومي إلى كييف وخرجت المظاهرات على إثرها بتحريض وتدبير واضح ومباشر، وتم طرد الرئيس يانوكوفيتش الموالي لروسيا، وهو ما أدى إلى دخول روسيا إلى القرم دون أية مقاومة واندلاع الحرب شرقاً، ما أدى إلى مقتل 13 ألف أوكراني، وكالعادة أميركا لا شيء تعد به وتفي إطلاقاً، كما فعلت في جورجيا سابقاً، وكما فعلت بحكومة السنيورة في لبنان، وكما فعلت في سوريا والأمثلة كثيرة.
لكن اليوم أود إلقاء الضوء فعلياً على الحالة المعنوية للشعب في هذا البلد العزيز. بداية تخيلوا معي ماذا حصل ويحصل من انقسام لعائلات بأكملها، فلدي أصدقاء في الأربعينيات كبروا في القرم وعندما نالوا شهاداتهم توجهوا إلى كييف العاصمة للعمل وأسسوا عائلات، وعندما دخلت روسيا إلى القرم وضمته، وأنا سبق وأقمت في هذه المنطقة لفترة، وأعلم أن السكان غالبيتهم من الروس ويحبون روسيا وتتار موالون لأوكرانيا... هؤلاء الشباب والشابات من بقي في كييف لم يقبلوا إطلاقاً بهذا الواقع، فحالهم كما أغلب سكان كييف ضد الروس، فهم أوكرانيون ولكن أهاليهم بقيوا في القرم مع الروس ومع بوتين إلى النهاية، فمثلا لي صديق يقيم في كييف وأخوه يعمل قبطاناً في البحرية الروسية، هو لا يريد سماع اسم روسيا ويعتبرها موجودة كاحتلال، وبالطبع أخوه ووالدتهما مع روسيا وبوتين، وللحقيقة هذا مثال واحد أذكره لكن لدي العديد من الأمثلة المشابهة.
إذن تخيلوا معي مأساة الأوطان وتصدعها عندما يصيبها الانقسام سياسياً أو عقائدياً أو مذهبياً. هو مرض فعلي، فرغم أنهم عرق واحد ودين واحد بالغالبية وكانوا كنيسة واحدة إلى أن انقسمت الكنائس بعد الأزمة التي أظهرت بأن هناك من في حلف الناتو ومشكوك بأنه يوالي روسيا كاليونان وهنغاريا برئيس وزرائها اليميني، وهناك من هو مع أوكرانيا حتى العظم كبولونيا أما باقي الدول فكلام. ومن يدفع الثمن هو الشعب. وأذكر أني كنت قد زرت كييف منذ ثلاثة أعوام فكان من المستحيل أن تتكلم مع سائق أجرة عن الموضوع إلا ويكيل السباب والشتائم لبوتين، فهو أكثر شخص مكروه في أوكرانيا وهم الأخوة والجيران.
لبناننا يعيش قصة أوكرانيا منذ إنشائه، ولدينا جار ابن عن أب لا يعترف بلبنان، لكن ما يزيد الطين بلة الطائفية البغيضة ذلك المرض القاتل للأوطان. عندما اندلعت الثورة في الصين في عهد ماو قتل مليونا شخص وأتى الى بكين مئات آلاف الشباب اليافع ذوو السترات الحمر من كل أنحاء الصين لتطبيق التغيير، وكان آخر إمبراطور للصين في المشفى في آخر أيامه يعالج من مرض السرطان، والمشافي في الصين كانت مكتظة للغاية ومعاملة الأطباء والممرضات لاإنسانية وقاسية مع المرضى، لكن الإمبراطور السابق كان يحظى بغرفة خاصة له بناء على أمر مباشر من رئيس وزراء الصين في حينها، فدخل أصحاب السترات الحمر إلى المشفى ولم يغادروا حتى تأكدوا من نقل الرجل إلى قاعة كبيرة كما كل المرضى ورابطوا أمام المشفى ليتأكدوا بأنه يعامل كما كل المرضى حتى توفي.
بعدها قامت الصين وبدأت بالنهوض بعد أن كانت بلداً عملاقاً تتنمّر عليه دول كاليابان ودول أوروبا كفرنسا وبريطانيا وألمانيا، وهنا نستنتج أن الثورة إن لم تكتمل فهي نزوة وثورة لم يتم خلالها التعرض للمسؤولين سوى في المطاعم، هي ثورة حرير، ثورة لم تؤدِّ إلى أي تغيير حقيقي، ومحاكمة المسؤولين وتغيير جذري للنظام هي مجرد رقصات وصرخات تتلاشى أصداؤها مع بزوغ الفجر.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم